لا يحتاج الجهل إلى تعريف فهو يعرف ذاته في إنسان أحمق أو إنسان لا يكتسب من تجاربه معرفة وعبرة، أو صيغة إنسان مغرق في معرفة هي ضد ذاته الإنسانية وضد الإنسانية جمعاء. معرفة محمولة على الموت أو إلغاء الذات والآخر والحياة بكل إشكالها. يرى الكاتب الفرنسي توما دو كونانك في كتابه القيم «الجهل الجديد ومشكلة الثقافة» أن «هناك نوعان جديدان متناقضان من الجهل: الأول يفتح الطريق ويحررها، إذ يطرح تساؤلات جديدة، تثيرها الاكتشافات الجديدة». ولعلنا جميعا نعرف أن السؤال هو المفتاح السحري لأية معرفة، سواء كانت بسيطة في ظاهرها أم معقدة ومتشابكة في جوهرها. الشكل الثاني من الجهل هو (الجهل المزدوج) حسب تعريف «افلاطون»: «حيث نتوهم أننا نفهم في حين أننا لا نفهم»، وهذا الجهل هو سبب كل الأخطاء التي يتعرض لها فكرنا جميعا. وجديد هذا الجهل سطوة القوة التكنولوجية وتدميرها لثقافات الشعوب. ونتيجة تدمير الثقافات تنمو اللامبالاة بالحياة، والتعصب الذي يؤدي بشكل حتمي إلى العنف. وأمثلة هذا العنف نراها في كل ثانية على مدار الأيام: التعذيب، الإبادات الجماعية، الحروب، الاحتلال، الخطف، والتفجيرات في كل مكان، والتي تطال آلاف المدنيين ومن لا دخل له ولا سبب في هذا الدمار والموت المجاني، والقتل والتشريد والهدم. كل هذا يطال الناس في كل مكان باسم آيدلوجيات قاتلة وذرائع تغطي الحقد على الحياة والأحياء مهما اختلفت جذورها ودوافعها منذ البداية حتى النهاية! إن السبب العميق لثقافة الموت التي نحن فيها هو جهل الإنسان. وما دمنا لا نعي ذلك بحيوية فإن الفظاعات والكوارث البشرية ستزداد. وما دام السبب مستمرا والجهل الجديد تشتد خطورته إجمالا فإن نتائجهما ستحدث وتشتد. وهذا الجهل المجرم وضع البشر بين فكين شرسين: الأصولية والعولمة. وإذا كانت العولمة تستند على العلم وتطوراته المتسارعة، فإن العلم ليس مسؤولا عن مسلك الإنسان تجاه بيئته البشرية وغير البشرية. أما الأصولية، فإنها تتكئ على موروث ثقافي، ليس للعلم فيه موضع، ولم يؤسس لمنطق الوحشية التي نشهدها اليوم، والتي لا تعود أسبابها في الجذور بل في اللامبالاة بالحياة في كل تجلياتها، حضارة وتاريخا وحاضرا ومستقبلا، وكأن أساس الكائن البشري كان وهما، والوجود عدم!‏