الأجواء باردة في أواخر شهر يناير عام 2007، ولكن الحرارة في مدينة زايد الرياضية وصلت إلى أوجها، فمنتخبنا يلعب المباراة النهائية لكأس الخليج 18 أمام نظيره العُماني، وفي حضور 50 ألف مشجع، والأعصاب مشدودة والأنفاس محتبسة، وفي الدقيقة 72 تمريرة طويلة من عبدالرحيم جمعة بالمسطرة إلى إسماعيل مطر فجرها في شباك علي الحبسي معلنة هدف الفوز، ومنتخب الإمارات بطلاً للخليج للمرة الأولى في تاريخه. أصبح إسماعيل مطر بطلاً قومياً في تلك اللحظة وهو يستحق، ولكن كرة القدم لعبة تفتقر إلى العدالة في أحيان كثيرة، فهي تحتفي بالذي سجل الهدف، ولكنها تغفل عن اللاعب صاحب النظرة، ومهندس الفكرة، ذاك الذي تلقى الكرة وفي جزء من الثانية اتخذ القرار، فعندما تصعب الأمور هو الذي يسهلها، وليس على المهاجم سوى أن يضع قدمه فيها ويسجلها، وفي تلك المباراة لا شيء أجمل من هدف «سمعة»، سوى تمريرة عبدالرحيم جمعة. في نهايات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة، كانت كرة الإمارات تعيش أكثر فتراتها سوداوية، وكان منتخبنا يخسر من الهند واليمن، فلا أعاد الله علينا ذلك الزمن، وفي تلك الأيام عشنا أسوأ المراحل في تاريخ المنتخب، قلة من اللاعبين كانوا يغردون خارج السرب، على رأسهم عبدالرحيم جمعة، كان مختلفاً عن البقية، كان مميزاً متفوقاً على أقرانه، كأنه لاعب جاء في زمان غير زمانه. أمس الأول، أعلن عبدالرحيم جمعة اعتزاله كرة القدم بشكل نهائي، وأسدل الستار على مسيرة حافلة بالإنجازات، حقق فيها أكثر مما يتمناه أي لاعب كرة قدم مواطن، حقق كأس الخليج مع المنتخب، ولقب الدوري 4 مرات والكأس مرتين، وبدأ في الوحدة ولعب مع الجزيرة واختتم مشواره في الظفرة، وتجاوز حاجز المائة مباراة دولية، وكان أول لاعب إماراتي يسجل هدفاً في مونديال الأندية. عندما يقرر عبدالرحيم جمعة الاعتزال وتوديع الملاعب عن عمر تجاوز الـ38 عاماً، فهو أمر لا يتكرر كثيراً ليس هنا فقط، ولكن على مستوى العالم، وقلة هم الذين يواصلون العطاء حتى هذه السن المتقدمة، فالعمر مجرد رقم عندما يحافظ اللاعب على نفسه، وعلى التزامه خارج الملعب، ويبقى عبدالرحيم جمعة النموذج المثالي للاعبين، والقدوة الحسنة للناشئين، ستفقده الملاعب، فقد كان محترفاً في زمن الهواة، لا يتفوق على موهبته سوى أدبه الجم وسلوكه القويم، أمثاله لا تتمنى رحيلهم ولكنها سنة الحياة.. وداعاً عبدالرحيم.