عام يغمض عينيه، ويذهب في الحلم الذي مضى، والأيام هي الأيام، تستولد الأحلام فينمو عند شرشف القلب جنين الأمل، واللحظة هي الزمن، هي العمر كله عندما يصبح الماضي كتاباً مقفلاً والمستقبل سراباً يترجل. اللحظة وحدها تحرك الكامن، وتوشوش للموجة، تحدج في جبين الأمنيات، وتستخرج من طيات السجادة اليومية، خيوط الأحداث دقيقة رقيقة، تحاول أن تلون الرماد، تحاول أن تشكل من البقايا والفتات لوحة تشكيلية، ما خطرت على بال بشر، وتطلق الأغنيات في صباح عام جديد جاء مستعجلاً، ليذهب ومعه، تفاصيل العمر وأشياء أُخر، تبدو كأنها كريات الدم الغائبة في معنى الجسد، واللحظة لم تزل ترسم صورة الآتي، بريشة متجلية، والورق الأبيض يستحم في حوض الحبر، الحبر وحده الذي يغير شكل الورق، كما يتغير هو بمسحوق الوجدان، وما تبديه الأشجان من ألوان جاء عبر مختلف الأكوان.. اللحظة يا عامنا الجديد، اللحظة يا عامنا المنقضي، كلما دقت عقارب الساعة منذرة برحيل زمن ليدخل زمن آخر غرفة العمر، نكون قد سكبنا شيئاً من الكأس، في قنينة العدم، وبدأنا نرشف أحلامنا وأحياناً أوهامنا، ونتكئ على مسند التأمل، فالأفق البعيد يتشكل منذ الأجنة في أحشاء الكون، ونتشكل نحن مثل البذرة التي هي أم الشجرة.. اللحظة ومضة ولمضة وغمضة، ولكن في قياس الزمن تبدو هي التاريخ الذي يحمل في جوفه وفي تفاصيله كل الأسئلة، نحن في المرحلة، من صميم هذا الزمن، نخرج من ثناياه لنبني سجاياه، وأحياناً تخطئ البوصلة فتذهب القوارب بعيداً عن الشطآن، نذهب نحن في أقصى ما تحفظه الذاكرة، نصول أحياناً ونجول، نبحث عن أعمارنا التي تلاشت في صقيع الأيام، نبحث عن دمعة، وربما شمعة نبحث عن ابتسامة أو ربما موعد لم تكتمل ملامحه، فتذوب في التذكر، نغيب في بحيرة باردة توقفت فيها الزعانف عن الرفرفة، ثم نسترجع العقل الذي تلحف تحت ملاءة التذكر، نستدعي جل قوانا ونقول للحظة، أنت الزمن، ولا زمن في الماضي غير ما ارتعشت فيه أجنحة الطير، لا زمن في المستقبل غير ما تمايلت فيه أغصان الشجر.. نحن أبناء اللحظة الراهنة التي تعبق غرفة الحياة، بعطر الفرح وسعادة العشاق، ومن توالت بهم الأشواق، إلى زمن لا يغادر دكة الأمل الجميل.