سرى اسمكِ الذهبيّ سراً في ذهول العاشقين، وجرى نهركِ الفضيّ في عروق أحلامهم. ورأينا بأم العين كيف يشهقُ الشعراء لو مرّت حروفكِ نفحاً في صدور قصيدهم. وكيف يجنُّ دُهاتهم لو تراقص ما يشبه ظلكِ البعيد على صفحات الخيال. ثم سمعنا المغنّي يذوبُ وينحلُ كالوتر، والراقصون في خبطٍ، والوعّاظ هستيريا، والقُضاةُ بلا مكرٍ ينطقون. وكان الصباحُ قد أطلَّ من عينين ناعستين وأشعل في حشاشة الدنيا البداية، ثم تبسمت شفتان ظنناهما انبلاج الخلق من نورين اتّحدا، وأنتِ تقبّلين الماء فيولدُ الأزرقُ ويسري في ألف مجرى، وأنت تشُمّين غصن العدم، فيشعُّ اخضرار أنفاسكِ في مولد الغابات. وما كاد الضوءُ يرتفعُ قليلاً في الجهات السبع، إلا ويدكِ تمسّد الصحراء وتعيد إلى رمل الطريق بكارته الأولى. ونحنُ، لأن أفواهنا لم تنشقَّ بعدُ، ولأن عيوننا مغمضةٌ ما تزال رغم اتساعها، كنّا نفرك الصخر بحثاً عن أسمائنا ولم نجد غير وجهكِ منقوشاً بكل اللغات. وحرفاً بعد حرفٍ، عثرنا على ما يشد حبّات الحقيقة إلى بعضها. مرةً في الأثر الذي تركته قطرة الماء على صخرة المنحدر، ومرة في الصوت الذي يرتفعُ خفيفاً في نقرة الطير على غصن المدى. ومراتٍ حين نلاحق سرباً من خيالات خيولٍ ملونة، وندخل في أحلام فرسانٍ هزموا سياج الجفاف، وفرشوا الدروب بمليون وردةٍ لأنكِ، في احتمال الحب، يمكن أن تمرين. مغسولة بالمطر الذي اشتهيناه روياً لصبرنا. ومن أمامكِ جيشُ مصابيحَ تبتسم، ومن خلفكِ فستانكِ ممدوداً في نهرِ زهرْ، أو نهرِ دهرْ. باقيان هنا، أنا والطريق، وفي يدي ثياب المسافة. لو تأتين غداً، أصير الآن فتحاً، وينهضُ من جرح ذاكرتي نبعُ يقظةٍ زاهية. ولو تأتين الآن، أصيرُ غداً صرح أشواقٍ يبثّها الشعراء نثراً، وترفُّ أجنحتي مثل حرٍ فتحوا أمامه قفص المدى وأطلقوه لحناً في ترنيمة الحنين. هذه أوراقي، فهاتي من كحلكِ ما سوف يحييها. وهذا جبيني، فهاتي قبلة الوجود. وإذا جلسنا وجهين وفوقنا قمرٌ اسمه (أوّل العمر)، وتحتنا فرشنا (رمل البداية)، سأقرأ لعينيكِ من أسفار حكّائين أبدعوا سيرة الخلود وتركوا وصفها لحين اقترابك من نبض يديّ. وسأروي لشعركِ عن قيثارة الليل التي تطوف بها الساحرات من قصيدة إلى قصيدة، ولا يكتملُ لحنها إلا بإصبعيكِ على وتر وعدنا. ولكي ينتهي الحزن، سنرفعُ شمعة الانتظار بكلتا يدينا، ليمر طائر الوداع ويخطفها، ويغادر للأبد. Adel.Khouzam@alIttihad.ae