الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

... ما هو اللا فن؟

... ما هو اللا فن؟
23 أغسطس 2017 20:45
هل الشيء الجمالي هو شيء فني؟ قطعاً لا. إذن. ما الشيء الفني الذي لا يختزل إلى شيء جمالي؟ تفتقر نظرية الفن إلى التعريف وتعلل ذلك بحرية الفن في بناء نفسه. تعليل هش يعكس فقر العبارات التي تؤسس ذرائعية الحرية الفنية. افتتح المقال بهذا التمييز الذي أعتبره أساساً لعزلٍ مزدوج: إبعاد ما لا يُعد فَناً عن ما يمكن أن يكون فناً. ودراسة الفن ضمن خصائصه الحسية التي تمنحه عليته. ولبناء التعريف الذي سأتقدم به، سأستعين بسياقين لا ينتميان إلى نظرية الفن. هما: البنية المنطقية للتعريف لدى «ويلارد. كواين» الذي يشترط في تعريف أي شيء توفر سياق دقيق يبعد عن الشيء اختلاطه بغيره. وسياق نافع يدعم الشيء بهويته. واستراتيجية بناء التعريف لدى مارسيل موس الذي يعمل على إظهار ما لا يكونه الشيء لجعل تعريف الشيء واضحاً وغير متناقض، وذلك لأن نظرية الفن غير قادرة على أن تغذي تعابيرها معرفياً من الداخل لتجعلها متماسكة مفاهيمياً. فمفرداتها تستخدم بطرق متناقضة تجعل من إمكانية بناء معجم فني بمثابة كتاب لتجميع التعاويذ. على سبيل المثال لا نجد تدقيقاً ولا فهماً لمفهوم التجريد. واستخدامه في الأعمال الفنية محض استعراض صبياني لا يعكس أي شيء يتصل بالتجريد، وهو كمفهوم لا يأتي من كاندنسكي ـ الذي سنخصص له مبحثاً مستقلاً ـ بل من مرجعيات متعددة ومتباعدة. جون ديوي الذي عرَّف التجريد بالحد الأدنى والضروري لإظهار ذاتية الشكل، متكئاً على الإرث الفلسفي لتعريف هذا المفهوم لدى كل من لالاند وأفلوطين. وهو تعريف يفقد فاعليته عند التحول إلى التمثلات التجريدية الأخرى كالرسم الحركي والتجريد التعبيري. كما أنّ اللغة التي يتم بها تنظير العروض الفنية المعاصرة contemporary art. لا تتضمن على أدنى علاقة بين المعنى والأسماء التي تستخدمها. ولا حتى على الفهم المتعلق بهذا التوسط. وبنيتها التحليلية غائبة لأنها تستخدم جملاً تركيبية يمكن أن تغير تجربة فنية بأخرى دون أن يتغير شيء في بنية المقال أو التقديم. والمؤسسات التي تشكل البنية التحتية لتسويق القيم الفنية بضائعياً وتنوّم جمهورها الخاص. أي متاحف الفن/&rlm مرجعية بناء القيمة. والمزادات الفنية/&rlm سوق القيم. والبيناليات/&rlm كهنوت الأوسمة الفنية، هي التي تشوه المرآة التي يرى الفن نفسه منعكساً فيها، لذلك لا يمكن التعويل على مجال الفن لتعضيد نظرية الفن وإظهارها في لغة حقلية كاملة.  التكوين الفني التمييز الآخر الذي يجب تحديده، هو أن الفن يتحدد من خلال التكوين الفني. ويدرس عبر خصائصه التي تؤسس فلسفة مفترضة لتفاعل وبنية التفاعل بين عناصرها. لذلك يمكن أن يتضمن الجمالي وعلى النظم الرمزية التاريخية لفكرة وتذوق الجميل، دون أن يعني ذلك العكس، وإلا لدخلت الأعمال اليدوية وأعمال التزيين ورسومات الأطفال إلى مجال الفن الذي يفترض أن يؤسس لنفسه تمايزه الخاص. فعمل فني ما يمكن أن يكون شيئاً جميلاً دون أن يكون فناً. ينفتح هذا التمايز على عدة مشكلات لم تعالجها نظرية الفن، وذلك إن افترضنا أن للفن مكانة نظرية بين بقية المعارف، فالبدايات المتعلقة بتنظير الفن وتمييزه عن علم الجمال كانت بدايات رافضة لفكرة وجود فلسفة في الفن «شليغل». ومقللة من كمال الصيغة المعرفية للفن عند هيغل الذي صرح بنهاية الفن، رغم أن كلاً من هيغل وكروتشه تناولا الفنون بمجملها ولم يخصصا تنظيرهما للفنون التشكيلية. الأمر الذي أجده مفتاحاً خاطئاً لدراسة الأشكال التعبيرية المتمايزة حسياً. ويخلط سياقات مستقلة عن بعضها، وكان عاملاً في تأخير ظهور تمايز حقلي بين دراسة الصورة وعلاقة تركيبها بمحتواها/&rlm فلسفة الصورة، وبين دراستها جمالياً وعلاقتها بمفهوم الجميل. ولمزيد من الوضوح في هذه النقطة، يمكن الإشارة إلى العمل المهم الذي قدمته مجموعة «مو» البحثية في عملها «بحث في العلامة المرئية» التي صاغت وحدة قياس Bite لدراسة الكيفية الحسية المتباينة للحواس وكيفية ترجمتها إلى صورة. ويمكنني أيضاً أن أضيف عمل هنري بوانكاريه «قيمة العلم» الذي يدرس الكيفيات الحسية المتباينة وتأثيرها على ترجمة العالم الحسي للإدراك. قدم هايدجر في «أصل العمل الفني» مفهوماً فذاً لبناء فلسفة للصورة، مستهلاً عمله بالاستفهام حول شيئية الشيء، ومحدداً وظيفة الفن في توظيفه للحقيقة. مستعيداً المفهوم الإغريقي للحقيقة بمعنى الكشف، دون أن يكون تحليله المتعلق باللوحة التي استشهد بها «حذاء فلاح» لـ«فان جوخ» تحليلاً بصرياً للبنى البصرية الخاصة بالحركة واللون والخط والفراغ، لكن فيما يخص فكرته عن صراع صورة العالم المعروض مع صورة الأرض المتضمنة على احتياط الصورة، وربط ذلك بالتصميم الذي من خلاله يكون الوجود معروضاً بما هو استقطاع إحداثي من جريان المعاش. تظهر ترددات هايدجر في أعمال أخرى حاولت أن تجعل لفلسفة الصورة قواما خاصا ومكملا لعمل المفاهيم في الحقلين العلمي والفلسفي. دولوز وفيليكس غوتاري في عملهما المشترك «ما الفلسفة» قدما هيكلية هايدجر بعبارات جديدة. المؤثر الانفعالي في مواجهة المؤثر الإدراكي وسديمية الصورة وإحداثية تقطيعها في مسطح المحايثة. مع تطعيم هذه الهيكلية بخلاصات أساسية قادمة من عمل هنري برغسون «المادة والذاكرة» ـ والذي يستند عليه دولوز في عمله الآخر الصورة /&rlm الزمن، والعمل التفصيلي الذي يقدمه موريس مورلبونتي في «المرئي واللامرئي». تكاد هذه المنظومة الفكرية المتعلقة بفلسفة الصورة تختفي من الفن المعاصر القائم على الزائل والهش والفوضوي واللامعيارية، أو كما يسميها جوليان ستا?براس في مؤلفه «الفن المعاصر» بـ«الذرائعية» التي تصر على رفض القبول بقابلية الفن للتعريف، علماً أن بعض المعلقين في مجال الفن يحاولون أن يستندوا في ذلك على دراسة جاك دريدا عن الحاشية والهوامش، غافلين عن الفروق الجوهرية التي تميز العمل البصري عن العمل النصي وغياب فكرة الحاشية عن الدالة التشكيلية. وعلى الرغم من أن كل البيانات المتعلقة بسوق الفن وبضائعية القيمة الفنية متوفرة الآن. وحركة الأموال المهربة ضريبياً بعد انسحاب اليابانيين من سوق الفن الأوربية وحلول الصينيين محلهم مكشوفة. وعمليات تبييض الأموال وصناعة الماركة الفنية التي عبرها تتم عمليات التبييض، وكذلك البيانات المتعلقة بالجوانب النفسية التي وصفها ستالابراس بـ«صور تبدأ بالمعلم الروحي أو الديني التقليدي، إلى الشخص الانتهازي ذي النوايا غير الصادقة، والفتيات المهووسات بالشهرة والأفراد المضطربين المتعالين». هذه الخصائص التي خضعت لتحليل دقيق من قبل عالم النفس «بول فيتز»، الذي درس كذلك أثر الفنون الرقمية وصور الإعلام على المحو والانتهاء التدريجي للمقدرة التخيلية عند المتلقي. ومساهمات أخرى كدونالد كويبست وروبرت مورغان.. إلخ. إلاّ أنَّ الدعاية والإعلام لا يتوقفان عن التعميم الجاهل لمكانة الفن ودوره في رؤية الأشياء ووجودنا العلائقي معها. وضع بيير بورديو في مؤلفه «قواعد الفن» أساساً نقدياً كبيراً لنظرية الفن، مستنداً على ملاحظتين اثنتين «واحدة قدمها فتغنشتاين الذي نوَّه إلى هول الأخطاء التي تشتغل في مجال الفن، والتي دخلت إليها عبر الأسماء الفاعلة والمؤثرة في مجال الفلسفة، والثانية عبر الدراسة الدقيقة التي وضعها فالتر بنيامين: «الفن في عصر النسخ الآلي». وبشكل خاص الاستلاب المتعلق بصنمية اسم الفنان التي حلت محل صنمية الفن دون إغفال الجانب المعرفي الكبير الذي يقدمه لتحليل نظرية المجالات، وسعيه الدقيق لاستثمار علم المجالات في بناء علم لدراسة الفن بناء على أسس منهجية دقيقة، رافضاً بشكل جذري إخضاع الأعمال الفنية للعبارات التالي: اللاوصف واللاعقلاني واللامعيارية، وذلك لأنه ليس بإمكان أي شيء أن يكون لغة دون إمكانية تحويلها إلى رموز مفهومة لدى مستقبل آخر. ماكينة الإبصار عمل المنظر المميز بول فيريللو في «ماكينة الإبصار» على إظهار العبث الذي أدخلته التقنيات في بنية التصور، مستخدماً عبارة العُسر البصري الذي يحدث نتيجة خلل يصيب الغدة الليمفاوية عند بعض الفنانين، مستعيداً حدثاً بصرياً، هو فيلم «روما مدينة مفتوحة» لـ«روسيليني»، الذي قام فقط بعملية المنتجة لأرشيف الجيش الإيطالي الذي صور الحرب العالمية الثانية، ليظهر الفرق بين التقنية والتصور، مؤكداً على استحالة أن يكون جريان الصور فناً في غياب القدرة التكوينية/&rlm التصميم بتعبير هايدجر، لدى الفنان الذي يستقطع ليبني رؤيته لشيء نراه أو يمكن أن نراه في غفلة عن احتياطاته وممكناته. أليس في ذلك مساءلة جديدة لشيئية الشيء. واستعادة لمفهوم»اللحم«المورلبونتي الذي يتحدث بالضبط عن عري الوجود وفقره، وأحياناً غيابه إن لم يكن أو يأتي إلينا مكسواً بالمتخيل والمحفز على التخيل. الفن إذن نافذة على الغياب. معبر إلى المفقود. استعادة وتعويض عن الحسية المنفلتة من معايشتنا الرتيبة للشيء في سياقه الوظيفي، لذلك يؤكد رفاق الدرب الذين ذكرتهم على شيئية الشيء المرسوم. ما الذي يفرق بين الكرسي المرسوم والكرسي الذي نجلس عليه. ما الفرق بين علب الطماطم الموجودة في الماركيتات وتلك المعروضة في متاحف فنية، ومتى يصبح الشيء جسماً لكي يكون حاملاً لنظامه الدلالي الخاص، ويتحرر من كونه مجرد شيء مرسوم أو ممزق داخل صالة عرض. لا يميز الفن المعاصر بين المواد والملمس، فيحشر المتاحف المعاصرة بالمواد الجاهزة وبقايا المواد الاستهلاكية للادعاء بتفوقه على الثقافة الاستهلاكية التي يعد هو جزءاً منها، متكئاً على الموقف الدوشامبي ـ نسبة إلى مارسيل دوشامب ـ الذي كان غاضباً من التدهور الذي وصلت إليه الذائقة الجمالية في وقته، فقدم سخطه الجمالي عبر المبولة التي وضعها في مكان لتقديس الفن/&rlm المتحف. ليقول إن الرداءة الجمالية وصلت إلى حد يمكنها التعامل مع المبولة كشيء جمالي. ونظراً للسطحية المفرطة في مجال الإعلام الفني، فقد استخدم سخطه الجمالي كوجهة نظر في التكوين، لكنه كان ترسيخاً للجهل المتعلق بالفرق بين الجمالي والتكويني، وترميزاً للرداءة كثقافة جماهيرية. فالملمس هو جلد لسطح أو لجسد. إنه بصمته الحسية، وبالتالي هو استحضار لأجساد أخرى إلى مجال التكوين ليحدث الاختلاط و التقطيع. أما المواد الحية التي يستخدمها أكبر ماركة حماقة في مجال الفن المعاصر «داميان هيرست» الذي تبنته عملياً متاحف قطر. فهي إلى جانب كونها تمثل انتهاكاً لحرمة الحياة البرية. تعتبر العينة الرسمية لغياب الفهم الخاص بهذا التمييز التقني والتكويني الخاص بالأساس الفلسفي المتعلق بماهية الشيء في الفن بشكل عام وفي الفن المعاصر على نحو خاص. ففكرة نزع الإطار الذي طرحها دولوز لتكريس فهم الشيء لصورته لا تتحقق من دون معطيات حسية تشترطها لكي تكون قادرة على أن تكسو الشيء المعروض بما يغيب عنه. تشترط تحرير التقنيات من الحماقة التي تخلط المواد بالملمس. وتجعل الشيء مجرداً من استخدامه الوظيفي، ومتضمناً أجناساً أخرى وتغييرات في بنية التوظيف لهذا الشيء. لأنه ببساطة هذه هي ماهية الكينونة. لسنا على ما نحن عليه ولا يمكننا سوى أن نستعرض جزئياً الأثر الذي دمغته الخبرات والأفكار في صورتنا وتصوراتنا. لا أبجدية بصرية لا توجد أبجدية بصرية تمنح الناس مدخلاً لفهم الفن. ثمة في أميركا مكاتب استشارية لاقتناء الأعمال الفنية. لا يكون المستشارون فيها خبراء في الفن ولا في الجمال بقدر خبرتهم في حركة الأموال المتعلقة بأسماء الماركات التي يستثمر فيها الموكل أمواله. لذلك تنتقل منتجات الحرف اليدوية الأفريقية الجميلة كتحف فنية من غاليري إلى آخر، وتكون أدنى الأعمال فنياً، أكثرها تداولاً. الفن ليس صك راحة بصرية، فهندسة الديكور تتكفل بذلك، والفن ليس تجميعاً لمجموعة أشياء في فضاء المتاحف، فالموانئ ومخازن البضائع تتكفل بذلك. لذلك أضع هذا السؤال أمام كل عمل تجريدي أو مفاهيمي: كيف يمكن لسطح أو تركيب أن يستحضر التقطيع المتعلق ببنية المكان وبنية الأفكار. الفن رؤية ومجال لبناء فكرة أو انفعال يستحضر لبنائهما أجساداً متباينة تتفاعل وتتقاطع فيما بينها لتمنح المفهوم جسمه، لذلك هو جسم متحول باستمرار. تدهور الذائقة الجمالية لا يميز الفن المعاصر بين المواد والملمس، فيحشر المتاحف المعاصرة بالمواد الجاهزة وبقايا المواد الاستهلاكية للادعاء بتفوقه على الثقافة الاستهلاكية التي يعد هو جزءاً منها. متكئاً على الموقف الدوشامبي ـ نسبة إلى مارسيل دوشامب ـ الذي كان غاضباً من التدهور الذي وصلت إليه الذائقة الجمالية في وقته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©