كان طبع تلك السيدة على غير ما بدت عليه من رقة، بل وعلى عكس ما شهدناه من أهل البلد الذي نحن فيه. فالجميع بلا مبالغة لطيف ودمث الخلق ولا يتأخر عن المساعدة بمجرد إحساسه أنك تحتاج شيئاً ما، وهو ما جعلنا نستهجن تصرفها الذي بدأ متعجرفا بشدة. لم تتوان موظفة الطيران عن تعطيل إجراءاتنا بامتعاض رغم أنها أساسا مسؤولة عن تقديم مساعدة للمسافرين في المطار، وطلبت منا معلومة -لا يتم السؤال عنها عادة- لإكمال بيانات المغادرة. وما زاد الأمر إزعاجا أن المعلومة لم تكن في متناولنا، إنما في الهاتف المتحرك الذي اكتشفنا فجأة -بسبب طلب السيدة الغريب- أنه ليس معنا وإنما فقدناه أثناء طريقنا للمطار! المثير فعلا أن الوقت كان كافيا تماما لاستعادته بهدوء، والأكثر إثارة أننا لم نحتج فيما بعد لتلك المعلومة لإكمال إجراءات سفرنا، وكل ما حدث من سوء تصرف السيدة وطلبها الذي لا داعي له، إنما لتنبيهنا أننا أضعنا الهاتف وأمامنا فرصة لاستعادته. في الحياة حولنا مواقف كثيرة مزعجة، لا نتردد في وصف من قاموا بها أنهم سيئون أو أشرار، فيما أن في تصرفاتهم تلك دواعي أخرى غير ما ظهر منها، هم أنفسهم لا يدركونها. قد يتسبب لك أحد باتساخ ملابسك ليمنعك من مواصلة دربك فتغضب من ذلك، ولكنك لا تعلم أنه بصنيعه ذاك إنما جنبك سوءا ما، وقس على ذلك آلاف الأمور المزعجة التي نواجهها. تبدو بعض الأشياء التي تحدث حولنا بلا معنى حقيقي، نَصفها أحيانا بالعبث الفارغ، وكثيرا ما نعتبرها بلا جدوى ولا تستحق التوقف أمامها؛ بينما لو انتظرنا عليها قليلا لوجدنا لها تداعيات كبيرة ربما على مستقبلنا بأسره. لا يوجد شيء يحدث على الأرض لا يستحق التروي والتأمل والتفكر في مغزاه ومقصده، غير أن انشغالاتنا المستمرة واستصغارنا لكل ما لا يسير في مصلحتنا سبب في الغشاوة القابعة في عقولنا، والتي تجعلنا في حالة غفلة عن جدوى كل ما يتحرك حولنا، والذي في منتهاه موصول بنا.. بشكل أو بآخر.