رأى أرسطو رجلاً يمسك بملعقة صغيرة، ويجلب بها الماء من المحيط، ليملأ حفرة. فتعجب وضحك، وقال ساخراً، أيها المجنون، ماذا تفعل. كيف ستملأ الحفرة بالماء من هذه الملعقة الصغيرة؟ نظر إليه الرجل، وابتسم، ثم قال: وأنت كيف ستحيط بهذا الكون الوسيع، بهذه الرأس الصغيرة، التي لا تساوي ذرة بالنسبة للكون؟ خفض أرسطو رأسه، وترك الرجل يكمل مهمته. هذا ما يفعله كل منا عندما يعتقد أنه سيلم بالحقيقة عندما يبحث عنها في الخارج، بينما هي تكمن في داخلنا. الحقيقة، واسعة، وشاسعة ومبهمة، ومستحيلة عندما نفكر في جلبها من الخارج. بينما هي بسيطة، وعفوية، لو فكرنا بها، لأنها موجودة في داخلنا. نحن نهرب من الحقيقة، ونراوغ، ونخاطر، ونبتعد عن الهدف، لأننا لا نريد أن نكشف عن حقيقتنا. هناك قوة غاشمة، في داخلنا تمنع اقترابنا من الحقيقة. هناك كائن مستبد يقف حائلاً دون خلع الحجاب الفاصل بيننا وبين والحقيقة، لأن الحقيقة تعني إبعاد المزيف، ولأن في الحقيقة نفصح، عن نوايا، وخبايا، ورزايا، وحفر عميقة، نحن الذين أوجدنا مكانها في داخلنا، لنخبئ أشياء كثيرة لو كشفنا عنها الغطاء، ستكون مؤذية لنا، لأنها ستسفر عن نقاط سوداء في حياتنا. وهذا ما كشف عنه فرويد في إمساكه باللاشعور، كونه مخزن المحرمات، التي نحن نهرب منها ولا نريد أبداً الإعلان عنها، لأنها تمثل الحقيقة الدامغة، لإنسانيتنا، الملوثة.البحث عن الحقيقة في الخارج كمن يبحث عن خاتم ذهبي في وسط الأدغال.الحقيقة هنا، الحقيقة في الداخل هي جوهرنا، وهي الأنا التي ضيعناها منذ أن دخلنا في الأفكار، ومنذ أن بسط العقل نفوذه، وأصبح السائق المخمور، الذي يقود عربة ركابها من النائمين. عندما يسيطر العقل على القلب لا يبدو في الأفق أي شعاع يدل على الطريق، لأن من سجية العقل السير في الأدغال، وفي الأدغال، هناك الطرق متشعبة، وموغلة في العتمة، فكف يستدل السائر في الظلام على خاتم ذهبي ضاع في السواد المدلهم.الحقيقة هنا في القلب، في الجوهر، لو تخيلنا عن النوم، واستيقظنا صباحاً، ونظرنا إلى هذه الأنا، سنجد الحقيقة، وسوف نرى أننا ابتعدنا كثيراً دون وعي، لأننا أردنا اللاوعي واستخدمناه كوسيلة، أي بالأحرى استخدمه العقل للهروب، بعيداً عن دائرة الضوء، لتحقيق، أغراض تخص العقل ولا تخص الإنسان. استخدم العقل ولا تجعله يستخدمك، ستجد طريقاً إلى الحياة مملوءاً، بالحب زاخراً بالسعادة. العقل هو موطن التعاسة، كونه منبت الأفكار، والأفكار، بنت الرواسب.