الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

لوركا.. الحضور الحادي والثمانون من الغياب!

لوركا.. الحضور الحادي والثمانون من الغياب!
18 أغسطس 2017 22:12
محسن الرملي (مدريد) تمر علينا اليوم (السبت 19 أغسطس)، الذكرى الحادية والثمانون لإعدام واحد من أشهر شعراء العالم في القرن العشرين، الشاعر الإسباني، الأندلسي فريدريكو غارثيا لوركا، المولود في قرية (فوينته باكيروس) الغرناطية عام 1898 وقُتل إبان الحرب الأهلية على أطراف غرناطة في فجر التاسع عشر من أغسطس سنة 1936 وتم دفنه في حفرة جماعية مع ثلاثة تم إعدامهم معه، ومازالت عائلته ترفض التنقيب في ذلك القبر والاستجابة للدعوات المتكررة لفصل عظامه ودفنها في قبر مستقل، يكون محط إقبال الزائرين من أنحاء العالم، قائلة إنها لا تريد التمييز بين الضحايا إنسانياً لأي اعتبار كان، وما ابنها فريدريكو إلا واحد من بين أكثر من 114 ألف ضحية مجهولة المصير بسبب الحرب الأهلية. الشاعر والمسرحي والرسام فريدريكو، الصديق الحميم للرسام السريالي سلفادور دالي ولشعراء إسبانيا الكبار من جيل الـ27 رافائيل ألبرتي، لويس ثرنودا، بيدروا ساليناس، خيراردو دييغو وبيثنته الاكساندره، الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1977 وغيرهم، كان يقول دائماً إنه غرناطي، أندلسي وإسباني أصيل، وأنه يستحيل عليه العيش خارج حدوده الجغرافية.. وهكذا كان الأمر فيما أعماله ظلت وستبقى تجوب كل أنحاء الدنيا. سافر إلى نيويورك في مطلع شهر يونيو عام 1929 وتركها في مارس 1930، حيث فاجأته قسوة الرأسمالية هناك والتمييز العنصري ضد الملونين، على الرغم من اعترافه بأنها كانت تجربة مفيدة له، ووصف الولايات المتحدة الأميركية بأنها «حضارة بلا جذور». وهناك كتب واحد من أفضل دواوينه وأشهرها بعنوان (شاعر في نيويورك) والذي لم ينشر إلا بعد موته بأربعة أعوام، وفيه سعى للتعبير عما وصفه بأنه «عبودية مؤلمة للإنسان والآلة معاً». ومن هناك ذهب إلى كوبا حيث أقام في هافانا بضعة أشهر تفاعل فيها مع فنونها من موسيقى وشعر ومسرح واشترك في مشروعين مسرحيين، ثم عاد إلى إسبانيا التي لا يستطيع العيش ولا الموت إلا فيها. إثر مقتله التراجيدي، تحوّل لوركا إلى رمز إنساني عالمي للمثقف الضحية، وبالتالي أحد أهم رموز إسبانيا الثقافية الأدبية.. وشاهد إدانتها للعنف، ولا يزال يمثل حضوره وهجاً حقيقاً، وهو حضور يزيح الغياب في كل عام تتجدد فيه ذكرى رحيله، وعليه فإن الاهتمام بأعماله، وبإحياء ذكرى ميلاده وموته متواصل، ويزداد كثافة هذه الأيام في شتى بقاع إسبانيا، ومظاهر هذا الاحتفاء يصعب حصرها لكثرتها وتنوعها، بين عروض لأعماله المسرحية والتي من أشهرها (أعراس الدم) و(بيت بيرناندا آلبا)، مسرحيات عن سيرته، حفلات غنائية لقصائده وقصائد أخرى تتغنى به، معارض لرسومه ومعارض لرسوم عنه، إعادة طبعات لأعماله وإصدار كتب عنه وعن أعماله، ندوات، محاضرات، مؤتمرات، قراءات شعرية لأشعاره ولأشعار عنه، في المكتبات والساحات والشوارع والمقاهي، وكذلك مواصلة البحث والتنقيب عن كل جديد لم تسبق معرفته من أعماله أو عنه، وإن كانت سيرته وأعماله تبقى متجددة مع كل قراءة جديدة لها ومع كل رؤية إخراجية أو تأويلية جديدة. فكل أثر من لوركا، الذي يصفه الأسبان بـ«العبقري»، يمكن الاستفادة منه واستلهامه، كما حدث على سبيل المثال، لا الحصر، استلهام صديقي الشاعر والروائي مانويل فرانثيسكو رينا، لإحدى رسائل لوركا الحميمة، وتحويلها إلى رواية (الحب الغامض) ومن ثم تقديمها على المسرح الآن. ومن بين ما تم العثور عليه، بعد رحيله بأعوام، بين أوراقه؛ نصوص نثرية لم يسبق نشرها ضمن أي من أعماله، حيث أنها مازالت على مسوداتها الأولى وفيها بعض العبارات الممحوة أو الناقصة، لكنها تشكل إضافة أخرى إلى الإرث الكبير الذي تركه لوركا للثقافة الإسبانية بشكل خاص وللثقافة العالمية بشكل عام، حيث نجد فيها ذلك النفس اللوركوي المتميز بحساسيته المرهفة وعمق صدقه وهو يستشعر لحظات وجودية دقيقة عبر أسلوب نثري/‏‏‏‏شعري مُحَمَّل بالرموز والصور السريالية أحياناً، هذا إضافة إلى ما يشبه نصائح دوّنها لوركا، ربما، للشعراء الشباب، تكشف عن جانب من تصوره للعملية الشعرية وتنطوي على مدلولات يشوبها بعض الغموض أحياناً، لكنها تحتمل إجابات وتأويلات شتى.. ننقلها هنا، إضافة إلى ترجمة بعض المختارات من أبرز وأشهر عباراته، التي صار أغلبها من بين الأقوال أو (الشذرات) المعروفة، والتي نلمس من خلالها شغفه ودعوته لمحبة الفن والحياة: نصائح لشاعر * لا يجب على الشاعر أن يغطي اللحم الغريب في نصه. في الماضي كان يحدث العكس!.. عليه أن يترك الأشياء كما هي، عُرضة للبرد والحر. * في الشِعر، لا تحاول تفسير أي شيء على الإطلاق، ولا تخجل أبداً من ارتعاشك أمام الفراشة.. كما ترتعش هي أمام فرس النهر. * في مفترق الطرق الذي تُرمى فيه وردة لم تتفتح بعد، هناك عليك أن تلقي قصيدتك، مباشرة وبكل ثقة. * تعلم من النافورة التي تتلقاها الحدائق ليلاً بشكل غامض، دون أن يدري أحد متى تبكي أو متى تضحك.. أو متى تبدأ ومتى تنتهي.. * املأ قصائدك بالغيوم، لأنها ستمطر فوقها ذات يوم.. ولن تجف أبداً. * إن الفرق بين قصيدة وشجرة، هو الفرق نفسه الذي بين نهر ونظرة. * لا تنس أبداً ـ من أجل أن يكون تقييمك أفضل ـ أن تنتقد الضفدعة.. بحدة، وأن تنتقد طيران السنونو الجنوبي أيضاً. * إن شكل القصيدة وصوت الكلمة غامضان تماماً.. وكأنهما ذات معنى حقيقي. * في جوف كلمة نجوم، تكمن دلالة مجمل السماوات الليلية التي كانت والتي ستكون. * قبل أن تنام، لا تنس أن تصلي، فما بين السعادة الكبرى وعجائبها، تكون الصلاة لله. * تذكر بأن الفرق شاسع بين كُتُب المتحذلقين.. ودواوين الشعراء!. * وجبتك من الشراب والنجوم في الشمال، هي ذاتها وجبتك من الخبز والمطر في الجنوب. * لو تنفست أمام البحر، فاعلم بأنك ستضيع بلا عذر. * دون لف أو دوران، ولا فخفخة صابونية، ولا إطلاقات نارية.. إن القصيدة الحقيقية يجب أن تكون لا مرئية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©