السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشح الإنساني والنفعية الذاتية

16 أغسطس 2017 23:39
عجائب زماننا في ازدياد، وإحداها تكمن في لغز العطاء المشروط عند البعض، فمن وصلت منزلة العطاء غير المحدود لديه دون حساب للمكاسب والمغانم واضعاً نُصب عينيه فضيلة الإحسان والإيمان بقِصَرِ الرحلة الأرضية، أصبحت عملته نادرة؛ بل تكاد تضمحِلّ وتتلاشى لولا الخيرية التي تنعم بها أمتنا إلى يوم الدين. وكثيراً ما نتساءل: ما بال أقوام يتدبّرون كثيراً في عوائد كلّ دعوة لمناسبة أو طلب مساعدة؟ وتنشغل عقولهم بالمعادلات الحسابية جمعاً وطرحاً وضرباً وقسمة في الفائدة المرجوّة من البذل والمصلحة من تلبية دعوة، والاستثمار المحقق من العطاء والعوائد من المساعدة..!
هذا الصنف من البشر يحتفظ بتصنيف لكل من يعرفهم، فقائمة السبع نجوم لديه من أصحاب المكانة المرموقة والسلطة والمال، في حين يقبع في ذيل قائمة الثلاث نجوم من سيكون دوماً معتذراً ومشغولاً عن تلبية دعوتهم أو الاستجابة إلى طلباتهم؛ لأنهم ليسوا في دائرة الاهتمام، ولا يشغل بهم البال، وصاروا ضمن لائحة الإهمال، فلا عوائد أدبية أو مادية أو مجتمعية ترجى منهم سواء أقرباء أو غرباء.
ومع فجأة تغير المراكز المجتمعية بين مسؤول كبير صاحب مكانة بالأمس ومتقاعد باليوم، تَنشط بورصة الأسهم: فمن كانت بالأمس أسهمه خضراء محلقة في فضاء الثراء بين هاتف لا يتوقف ومديح وثناء وسرعة رد على الاتصالات، تتبدل أسهمه وتفقد قيمتها السوقية وتتحول بين ليلة وضحاها إلى أسهم حمراء كاسدة فاقدة لقيمتها، تجعل صاحبها يعيش عزلة مجتمعية قاهرة وموجعة قد تسكنه المصحات النفسية أو يرحل بغصة في الحلق لم يستطع البوح بها بعد إهمال متعمد ونكران لكل صنيع جميل قدمه لأصحاب المنفعة وشح العطاء والنفاق والرياء.
كلنا بحاجة إلى مراجعة الذات ومكاشفة صادقة مع النفس للتوصل إلى إجابة شافية: لماذا بدلتنا الأيام؟ وكيف غدا كل منا حبيس دائرة المكاسب والمصالح، وتغاضينا عن جوهرنا الإنساني وموروثنا القيمي وعلاقاتنا الصادقة التي إن اعتصرناها تقطر صفاء وحبا ونقاء؟ ما أصعب غربة الذات وما أقسى العيش لولا فسحة العطاء والوفاء.

Emad.Hussein@alittihad.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©