العكّاس هي التسمية المحلية للمصور الفوتوغرافي، والعكّاسة هي الكاميرا، والتسميتان دقيقتان لغوياً، وفصيحتان، لأن أول ما ظهرت الكاميرا كانت تعكس الصورة على لوح معالج بنترات الفضة، فكان العكّاس يرى الصورة مقلوبة أو معكوسة على اللوح، لذلك لم يخطئ «شوابنا» الأولون في التسمية، وعكست الصورة طبعت مثيلتها أو صورة عنها. اليوم غابت التسمية، مثلما غاب ذلك المصور الذي يسحب كاميراته بأرجلها الخشبية من مكان إلى مكان، يتبع ظل الجدران، رغم أن الظل عدوه الأول، والشمس معشوقته الأبدية، كان يوجد في الأفراح والأعياد أو في ساحة السوق أو حيث تأخذه قدماه، محاولاً أن يصطاد اللحظة، وحركة الزمن، ووجوه الناس. كثيرون جاءوا هنا من المصورين، واستقروا مثل «كابتن، ونور علي راشد، وراميش جوكلا، وبدر»، وآخرون لا تسعفني الذاكرة بأسمائهم، وقليلون من جاءوا كرحالة ومتجولين، جابوا الديار، والتقطوا صوراً للحياة ومظاهرها القديمة مثل «كودراي، هيرمان بور خاردت، زويمر، وثيسيجر»، إضافة إلى كم كبير من المصورين الهواة من الأجانب ممن عاشوا ردحاً من الزمن هنا للعمل لم يجعلوا الفرصة تفوتهم، ولا الزمن يخادعهم، وبالأخص بعثة مستشفى «كند» في العين الذين سجلوا أوقاتاً، ووجوهاً وأحداثاً، لم يكن ينتبه لها ناسنا الأولون، وكذلك العاملون في شركات النفط، هي اليوم ثروة حفظوها لنا، ولتاريخنا، وحياتنا الاجتماعية. كانت أول صورة «رسمية» صورتها في سوق أبوظبي القديم، يوم جئنا من العين إلى أبوظبي لنتسلم «الشرهة» عند «حياة» بن سليّم في قصر الحصن، يومها كان فضاء واسعاً من الرمال، وأشجاراً ونخيلات موزعة، وخياماً وبعض العرش للقادمين إلى أبوظبي من جهات العين وليوا، يلفونها لأيام، قبل أن يغادروا فرحين بالشرهة. في تلك الصورة بالأبيض والأسود، كانت الغترة المشجرة تغطي جزءاً من الجاكيت المقلم ذي اليد الطويلة، والمتعمد تفصيله طويلاً قليلاً، لأني سأكبر بعد سنة عليه حتماً، لذا كانت مشورة الأهل والخياط متطابقة: «فصله أكبر عنه بشوي.. ما فينا أنفصله غيره السنة الياية». كان طرف الغترة يصل إلى الركبة، والعقال مشروخ على قتر، والكشة المُلَبَدّة بـ«كريم ياردلي» الأخضر، ظاهر جانب منها من تحت الطاقية، في حين تظهر خلفية الصورة منظراً طبيعياً لحديقة مائية في هولندا أو سويسرا ربما، لصقها المصور أو العكّاس على حائطه، ولم يتردد كثيراً في المفاضلة بين المناظر، فهي بالتأكيد أجمل من تلك الرمال والصحراء الجرداء، كان هناك أيضاً ورد بلاستيكي يستقر بإهمال في مزهرية مغبرة، هي في الأصل «جيك ماي».