عندما تتلاطم الموجات الهائجة، تتكسر على أكتافها الحقيقة، ولا يبدو في الأفق ما يبشر بسكون البحر. اليوم وبعد كل هذا اللغط والشطط والغلط وسوء النمط، يبرز من بين الحشود، من لا هم له سوى إشعال الفتيل، وتبيان سوء السبيل. نفر من بيننا ينهض بعيون زائغة، ونفس حانقة، وروح ممزقة، يفتي ويثغي ويرغي، ويملأ وسائل التواصل الاجتماعي بالزبد، ويعلن نفسه وصياً على الدين والدنيا، ويريد أن يمتلك ألباب السماوات والأرض، وهو لا يملك من المعرفة سوى أنه يكره عباد الله. هذه نماذج تنتشر كالوباء في الأوطان، وتحيك الحبائل وكأنها الضواري في غابات التوحش. هؤلاء يعيثون فساداً بالقيم والمبادئ الإنسانية، حتى أصبح الدين في فكر هؤلاء، وسيلة لبث الضغائن وتوزيع الأوصاف والنعوت والمسميات والألقاب، متخذين من الفوضى التي تضرب أكناف الوطن الإسلامي، فرصة سانحة لاستفراغ ما في جعبهم، من عقد النقص ومركبات الدونية، وأمراض الحقد والكراهية. هؤلاء ليس لهم انتماء إلا لأنفسهم وخلاياهم، لا يهمهم وطن، ولا رموز الوطن، ولا تاريخ، ولا عرف، ولا قيم ولا أخلاق، لأنهم انسلخوا عن الواقع، وبنوا أعشاشهم على أشجار الوهم، والخيال الجامح، وباتوا يلعقون ما أسداه لهم أرباب الفكر الضلالي، مستلهمين منهم نبذ كل ما هو جميل في حياتنا، ورفض كل مقدرات وهبها الباري لعباده. هؤلاء شذاذ الآفاق، اختصروا الطريق إلى الجنة بكلمات هجاء لكل من لا يقف في وعاء ملتهم، ومن لا يوافقهم على الانحراف فإنه منبوذ ومأخوذ إلى جحيم نقمتهم، ولا رأفة، ولا رحمة، ولا شفقة، لأن قلوب هؤلاء، أغلقت الأبواب والنوافذ، وجلس أصحابها في كهوف الحقد، ذامين، شاتمين، موبخين، مقرعين مؤنبين خلق الله من دون وجه حق، فقط لأنهم لم يدخلوا في حظيرتهم، ولم ينتموا إلى سربهم، ولم يسيروا سير ركابهم. فعندما نسمع شخصاً يرفض الدعاء بالرحمة على إنسان انتقل إلى جوار ربه، ويحث الآخرين بأن يحذو حذوه، تقشعر أبداننا، وترتعد فرائصنا، من هول ما نسمع من افتئات، وتجاوز للحقيقة البشرية، وقوانين السماء. عندما نسمع مثل هذه الهرطقات نتألم، لأن في العالم، وفي القرن الحادي والعشرين، أناس ما زالوا يقتاتون على الحقد، ويعيشون على تمزيق الذات البشرية الواحدة، إلى طرائق قدد، وإلى نشارة خشب أو حديد، وتحويل العالم إلى مساحات مملوءة بشظايا النار، وجحيم الكراهية. نشعر بالأذى عندما يستخدم هؤلاء الدين أداة للتفرقة لا للائتلاف. ونأسف لأن هؤلاء محسوبون على أمة علمت العالم لغة التفكير الصحيح، ومنطق الحوار، وأسلوب التعاطي مع الحياة، بحيوية وإدراك ووعي. يحزننا جداً أن يفيض هذا الإسفاف في زمن انتصار العقل على الخرافة، زمن الظفر بطموحات الإنسان، وتطلعاته نحو عالم متجدد، متناغم مع الكون، منسجم مع معطياته.