البعض يبتر الحديث ليختار منه ما يتوافق مع فكره الضيق، والبعض يعض على بعض الكلمات التي تخدم عقله الجاهل، والبعض الآخر يقف عند «وَيْل للمصلين» ويكتفي، هذا مما أبتليت به أمة محمد، عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، وهذا مما يشقي المسلمين، ويؤخر تقدمهم في كل مناحي الحياة، ويعطل دينهم، ولا يفرحون بدنياهم، والعجب العجاب أننا نقيم لمثل هؤلاء الذين بلا وزن وزناً وقيمة ومكانة، ونضفي عليهم الألقاب، وآيات التبجيل، وهم كذلك الذي يحمل أسفاراً، ولا يعرف قيمتها، ولا ثقل معرفتها، تكون الفتنة نائمة، ويقومون بإيقاظها، يتصيدون في كل المناسبات ليخالفوا ويعرفوا، هذا بعض ما أوحى لي به ذلك المتشيخ والمتأسلم حين نفخ في كير الحداد، مظهراً كل خبثه وفساده، بتعليقه على وفاة الفنان «عبد الحسين عبد الرضا» بأنه، «لا تجوز عليه الرحمة، ولا تقبل له الشفاعة، ولا يصلى على جثمانه، لأنه من مذهب مغاير»، والذي يعرف «أبو عدنان» يعرف وطنيته ولا تعني له تلك المسائل الضيقة شيئاً، ووعيه وحسه ومعارفه هي الهادية له في طرقات هذه الحياة، غير أن ذلك المتشيخ على البلاط أبى أن يترك مساحة الحزن دون أن يدلو بدلو خبثه وجهله، والذي يمكن أن تشغله أمور تلك «القربة» المشهورة في الفتاوى والتي شغلت جهلاء الأمة سنوات طوالاً، والمغول على الأبواب، والخلافة العباسية يتلاعب بها الغلمان والغانيات، تلك «القربة» التي يمكن أن تفسد الوضوء، كانت سبباً في سقوط بغداد، وذهاب معارف مكتباتها العامرة، وكانت سبباً في زمن الانحطاط الذي عاشته عواصم الإسلام، وتسلط الدراويش على مقدرات الأمة التي باتت تضحك عليها من جهلها الأمم. وجود بشر من هؤلاء يعدون على الإنسانية في وقتها الراهن والمتراكض نحو التحضر والتمدن والرقي، عاراً وشناراً، وجود مثل هؤلاء في زمن تحدي الوقت والمسافات، وصمة عار على الحضارة الإنسانية في عز تجلياتها وآفاقها الرحبة، لأن وراءهم يقف طابور طويل من الجهلاء والمتخلفين وضيقي الصدور والعقول، ويمكن أن يفسدوا حياتنا الملونة بذر الرماد، وإلقاء الوحل في الطريق، وإحراق عشب الحدائق، ولنا في اليهود سنة غير حسنة، لكن أوردها لأهميتها وضرورتها، وماذا يجب أن نتعلم منهم، حين كثر المبغضون والكارهون والمتعصبون لليهود، وحين بلغ التنكيل بهم، والشتات بينهم، وتكالبت عليهم بعض الأمم، استنصروا لأنفسهم، وجاهدوا ليصدروا قراراً في وجه كل من يعادي السامية، أصبح الْيَوْمَ كمقصلة على رؤوس من يفكر، لا من يفعل ضدهم أي شيء، ولي صديق يهودي يتبرع بجزء من ثروته ومنذ سنوات طوال لمدارس لتعليم الأطفال الأيتام في الهند، وجلهم من المسلمين، ويصرف على طبابتهم، ويقدم ما يكفي أهلهم لكي لا يضطروا لإجبار أولادهم على ترك التعليم أو العمل كعمال السخرة أو بيعهم أو الاتجار بهم. في الحياة أمور أكبر، وأشياء أنبل وأجمل من أن يقودنا جاهل نحو متاهة شره، وضغائن حقده، وشرور نفسه!