«هل عبد تعني العابد أم الخادم؟»؛ هكذا انطلق جدل لا يزال مستمراً في وسائل التواصل الاجتماعي حال الإعلان عن رحيل الفنان الكبير الجميل «عبدالحسين عبد الرضا». أرادوا معرفة الفرق كي يعرفوا هل يجوز أن يترحموا عليه أو لا يجوز. هكذا بمنتهى السذاجة، وكأن رحمة الله موجودة في وعاءٍ صغيرٍ محفوظ في خزينة مغلقة لديهم، ويجب ألا يفتحوها ويُخرجوا الوعاء الصغير، يغرفوا منه على كل أحد حتى لا ينضب حين يحين دورهم. الإنسان الجميل صاحب القلب الكبير الذي حرص طوال عمره على تخفيف الهمّ ونثر المحبة ونشر التسامح واختلاق الضحكة، الفنان الذي عرف كيف يضحكنا على امتداد عمرنا في عز همومنا، وبغض النظر عن همومه هو، الذي يأتينا كضيف عزيز يتناول معنا قهوة العصر، ويمتعنا بحلاوة حديثه وطراوة روحه ليتركنا بعد أن يغادر أكثر مرحاً وخفة، نتجادل اليوم ونحن محزونون على فراقه هل يصحّ أن نترحم عليه أم لا يصحّ! أي بؤس هذا وأي مستنقع للجهل يقبع فيه ناس هذا العصر؟ في زمننا لم نكن نتوقف حتى لنفكر في معنى اسمه أو لنهتم لذلك أساساً. انتبهنا فقط لروحه المليئة بحيوية المرح وشخصيته الآسرة وحسِّه اللامحدود بمعنى الدعابة كأداة لتخضير الدروب وتدريب النفوس على التغاضي عن الإساءات والتعالي على الصغائر، وتفتيت بقايا البغض في القلوب لتشفيها بضحكة تخلق جدار صدّ في وجه الخصومات والتفرقة والكراهية. كان بالنسبة لنا «حسينوه» الذي امتلك قلوبنا بروعة أدائه، وذكائه وسرعة بديهته والتقاطاته الفكرية الألمعية المعجونة دوماً بروح النكتة، وحسّ الدعابة الفطري لديه؛ لم يكن بالنسبة لنا ممثلاً نتابعه في أعمال درامية من وقت لآخر؛ كان أخاً وأباً وصديقاً وفرداً من العائلة ننتظر زيارته لنا عبر الشاشة في كل مرة. كان لدى «حسينوه» مفتاح بيت كل واحد فينا يدخله وقت يشاء، مرحباً به، معززاً مكرماً بحبنا وتقديرنا لفنه وشخصه. كيف يسقط هؤلاء الناس الآن في مستنقع البغض الآسن في هذا الزمن العجيب الذي صرنا نرى فيه ونسمع في كل يوم شيئاً جديداً ضارباً في أعماق ضيق الأفق، وضحالة الفكر، وتردد القلوب المتوجسة شراً من فطرية الحب والإقبال على الحياة! كيف تحرق بنار جهلك شخصاً لم يقدم في حياته سوى المحبة والأخوة والصداقة والسلام؟ على مَنْ تجوز الرحمة إذاً إن لم تجز على أصحاب القلوب الكبيرة؟! عجباً لعالمٍ يفضّل أن ينظر إلى الأفق الواسع الشاسع المهول من خرم إبرةٍ ضيق.