الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

بورخيس: الشعر ليس لغزاً.. إنه عاطفة ومتعة

بورخيس: الشعر ليس لغزاً.. إنه عاطفة ومتعة
14 أغسطس 2017 22:27
إبراهيم الملا (الشارقة) يرى الناقد والشاعر الأرجنتيني البارز «خورخي لويس بورخيس» أن كثيراً من الكتب المتخصصة في علم الجمال، تنظر للشعر كما لو كان واجباً، وأحياناً تراه لغزاً، وعلى عكس هذا التوصيف ينظر بورخيس للشعر على أنه عاطفة ومتعة، وأنه ليس غريباً عن الحياة، فهو يترصّدنا عند المنعطفات ويمكن أن يبرز أمامنا في أي لحظة. يستشهد بورخيس بعبارة للشاعر والفيلسوف الأميركي أميرسون يقول فيها إن أي مكتبة هي نوع من المغارة السحرية الممتلئة بالموتى، ويمكن لهؤلاء الموتى أن ينبعثوا أحياء عندما نفتح صفحات كتبهم. رأي سوف يصاغ لاحقاً بمنظور بورخيس إلى العلاقات الرابطة بين المُرسل والمستقبٍل أو بين الإنتاج وإعادة الإنتاج، حيث يرى أن الكتاب هو شيء مادي في عالم الأشياء المادية، إنه مجموعة رموز ميتة، وعندما يأتي القارئ المناسب تظهر الكلمات إلى الحياة أو بعبارة أدق يظهر الشعر الذي تخبئه الكلمات، لأن الكلمات ما هي إلا رموز محضة، وعندها نشهد انبعاثاً للعالم. وحول مفهوم اللغة يرى بورخيس أن اللغة تتبدل، وأن القارئ أيضاً يتبدل مستدلاً بعبارة إغريقية قديمة تقول إنه لا يمكن لرجل أن ينزل مرتين إلى النهر نفسه، مضيفاً أن لا يهم أن تكون القصيدة قد كتبت أو لم تكتب من قبل شاعر كبير، فهو أمر ليس له أهمية سوى عند مؤرخي الأدب، وبالتالي يمكن لقراءة القصيدة أن تتحول إلى إعادة اكتشاف، وربما من الأفضل ألا يكون للشاعر اسم. إن تعريف الشعر عند بورخيس يتعدى القالب التقليدي الذي يضعه في إطار التعبير عن الجمال بكلمات محبوكة بصورة فنية، مشيراً إلى أن هذا التعريف الكلاسيكي ينفع إيراده في معجم أو في كتاب تعليمي، ولكنه بالنسبة لنا قليل الإقناع، فهناك شيء أكثر أهمية منه، شيء لا يشجعنا فقط على مواصلة تجريب الشعر، إنما الاستمتاع به كذلك، والإحساس بأننا نعرف كل شيء عنه. ويعقّب قائلاً: هذا يعني أننا نعرف ما هو الشعر، نعرف ذلك جيداً إلى حد لا نستطيع معه تعريفه بكلمات أخرى، مثلما نحن عاجزون عن تعريف مذاق القهوة، واللون الأحمر والأصفر، أو معنى الغضب، الحب، الكراهية، الفجر، الغروب، أو حب بلادنا. مضيفاً أن هذه الأشياء متجذرة فينا، بحيث لا يمكن التعبير عنها إلا بهذه الرموز المشتركة التي نتداولها، وما حاجتنا إلى مزيد من الكلمات. وعن أنواع الكتابة الشعرية، اعتقد بورخيس في بداياته مثل معظم أقرانه من الشباب المثقف أن الشعر الحر هو أسهل من الأشكال المقيدة بالأوزان والقوافي، ولكنه بات شبه متأكد بعد رحلة طويلة وممتدة مع الكتابة، أن الشعر الحرّ أصعب بكثير من الأشكال الموزونة والكلاسيكية التقليدية، والدليل أن الأدب يبدأ بالشعر، وما أن يتم إقرار قالب معين، من القوافي والتجانسات الاستهلالية الصوتية، والمقاطع الطويلة أو القصيرة، فلن يتبقى إلا التكرار، وهو أمر سيكون سهلاً بالتعود وبالعزف على ذات الوتر الإيقاعي في كل مرّة وفي كل بيت شعري، أما القصيدة الحرة أو قصيدة النثر كما يراها بورخيس، فهي خارج هذه القولبة وضد الترويض، لأنها أكثر رشاقة وخفة وعصية على قيود القافية والوزن، وبالتالي فإن ترجمة التأملات وفائض الجمال في الوجود لا يحكمها هنا الشكل فقط، بل بصورة أساسية «المعنى ذاته»، ومن هنا تكمن صعوبة الشعر الحرّ مقارنة بالأنواع الأخرى. (آراء وتأملات بورخيس مقتبسة من ست محاضرات ألقاها بجامعة هارفرد الأميركية في خريف 1967 وتم توثيقها في كتاب «صنعة الشعر». ترجمة صالح علماني. منشورات دار المدى سوريا الطبعة الأولى 2007).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©