عندما نمعن النظر في وجه الآخر، ونبحث عن صدق مشاعره نحونا، فإننا نبدأ في سوء النية. العلاقة البشرية تسوء بسوء النية، المشاعر تفقد بريقها عندما تدخل في عتمة سوء النية، وعندما يداهمها مخلب التقصي، والتحري. لا يبحث الإنسان إلا عن الأشياء الضائعة، ومن يبحث عن صدق مشاعر الآخر، فإنه لابد وأن يكون قد فَقَدَ الثقة بنفسه. نحن في حبنا للآخر نبحث عن مواطن الضعف في الآخر، لكي يتسنى لنا امتلاكه وضمه إلى باقي الممتلكات. ولا يفعل ذلك إلا الشخص الضعيف، والمهلهل من الداخل، لأنه لا يملك الضعيف إلا أن يسد فراغه الداخلي، وهذا لا يحدث إلا إذا امتلك الضعيف ما يعوض ضعفه. إذاً الامتلاك والاستيلاء وحب السيطرة معضلة بشرية. أساسها، كره الذات، فالأناني، لا يحب ذاته وإنما يكرهها، وبالتالي فهو يكره الآخر، يريد أن يستولي عليه ويفنيه في داخله، وكثيراً ما نسمع عن قتل رجل لزوجته أو العكس تحت ذريعة الحب، ففي المخيلة لدى الحب غير الحقيقي. إن العلاقة ما بين طرفين هي الاستيلاء، وليس الانغماس. فعندما تحب حباً حقيقياً فأنت تنغمس في الوجود، وتتداخل مع مكونات الطبيعة، بحيث يصبح الجزء في الكل، والكل يحتوي الكل، لتكتمل وحدة الوجود، ووظيفة الحب هو اتحاد عناصر الطبيعة، وطالما وجد التعلق نشأت الغيرة، وفي الغيرة تعني أن هناك علاقة وفي الحب تنتفي العلاقة، بل هناك تواصل واندماج الأجزاء، لتصبح كلاً. لماذا تفشل الكثير من علاقات الزواج؟ لأنها فقط علاقة مختومة، بعقد هذا العقد قد يتم بدون عقد آخر، ألا وهو وجود الحب، وحضوره الحقيقي، من دون شروط مسبقة، تعقبات لمثالب شخصية، فلا وجود لحب بين شخصين في حضور، الأنا، فعندما تقول للآخر أنا، فإنك تحضر بتورم وفخامة واقعية ولكن في غياب كلي للحب. الحب كائن غير واقعي، والأنا مخلوق من الواقع، فلا يستقيم الكائنان في مكان واحد. الأنا قادم من مناطق شاسعة، وقد مر على هضاب، وشعاب، ومرتفعات، ومنخفضات، وعانى ما عانى من التراكم، والزحام، والغبار، والسعار، والعواقب، والصواخب، والنوائب، والمصائب، لذلك فهو عدمي، وشكي، وأسئلته، مريبة، وعجيبة، وغريبة بالنسبة للحب الذي جاء إلى العالم، مع مجيء الإنسان إلى الحياة، حاملاً معه رسالة السماء إلى الأرض، صافية، نقية، عفية، لا فيها شوائب الواقع، ولا فيها عواقب الماضي. الحب كائن لحظي، مطلق، في تصوراته، كوني في محيطه، لا يعترف بالاختزال، ولا يعرف كيف يكون الابتذال. الحب خلاص الكائنات من التعلق والانهمار في غضون الواقع.