أيها المفرد الفرد.. أنت تتساءل دائماً كيف يمكن لهؤلاء أن يؤدوا أعمالهم باهتمام والتصاق شديد؟ من أين يتأتى لهم هذا الإحساس الذي يقررون فيه بإلزامية شيء ما لهم، فيعيشون هذا الإلزام، ويبدون مثقلين به، وبالتالي يبدون مشدودين إليه: (هذا واجب، هذا ضروري، هذا لازم..). كيف يحدث هذه الإحساس الذي يحمل صوراً مختلفة يضفيها على أشياء لا تشعر أنت مثلاً بأنها كذلك! من الوجهة العقلية لا أدعوك إلى نبذ هذا الإحساس، فلديك التزاماتك الذاتية، لكن بما أنها ذاتية فأنت لا تعدها التزاماً حيث تستطيع وبكل بساطة التخلي عنها. وأحياناً قد تبدو متفرجاً على التزاماتك الذاتية، فتصفق لهذا الالتزامات أحياناً وقد تسخر منها أحياناً، وقد تنظر إليها بلا مبالاة كبيرة أحياناً أخرى، فتلك الالتزامات الذاتية كونتها مؤثرات وجدت في بيئتك ومجتمعك وصبت هكذا انصباباً لا واعياً تشربتها ذاتك ونمت فيها وخلالها، ثم كانت التجربة والإدراكات والأحاسيس الخاصة التي مررت بها، ثم الصحو الذهني أحياناً واللاوعي الغيبي أحياناً أخرى قد جعلتها التزاماً غير واعٍ به أو متماهياً خفياً مع وعيك وإدراكك ورغباتك، وربما طموحاتك وأمانيك. كل هذا يؤدي إلى تنقيح تلك المؤثرات ويضفي عليها طابعاً شخصياً مميزاً يبدو في تصرفك حيناً وحيناً في منطقك وفي استيعابك للأمور حيناً آخر، إلا أنك تتساءل فقط ما الذي يدفع ذلك الإحساس الخفي عند الناس إلى الإحساس بالالتزام، بالواجب، بالأهمية؟ ما الذي يخلق هذا الإحساس، ما الذي يدفعه إلى السطح فيظهر في التصرف، وفي ذلك التبادل بين الواقع والإنسان؟ إذا قلت لك ما الذي يخلق ذلك الإحساس، وأنا أعرف تماماً أن الإحساس هو نتيجة إدراكنا للظاهرة، ذلك أن بصيرتنا ترى الظاهرة فيشترك الإدراك في تحليلها ونتيجة هذا التحليل هو الإحساس. إذن الظاهرة هي التي تولد الإحساس بوساطة الإدراك، وليس الإحساس هو الذي يعطي الظاهرة صفتها المؤثرة، وهذا ما قد تتساءل عنه. لماذا تكون هذه الظاهرة التي تبدو في شكل عمل أو شخص أو صورة جمالية أو شيء ما كأساً فارغة مثلاً، كرسي، أصيص زرع، شجرة، أو نبتة صغيرة، أو حتى مقطوعة موسيقية ما، لافتة أو مؤثرة لكل الناس، أي أنها تولِّد عندهم إحساساً بها، فيعطونها تقييماً معيناً ناتجاً عن ذلك الإحساس، وتفقد تأثيرها عندك. هذا ما تتساءل عنه، ولا يبدو أنك ستصل إلى إدراك أو معرفة، أو شيء ما يجلي هذا الغموض، طالما ظللت تعوم في خفاء اللامدرك!!