ليس مثل نهار نجار عاطل عن العمل، وليس لديه ما يشغل يده، يظل قابعاً عند بابه القديم المُخَلَّع، يتبع النساء العابرات، يأتي بواحدة من أول الشارع، ويودع أخرى إلى آخر الشارع، ويتعجب من تلك المدينة الضاجّة حوله، والتي كأنه لا يعرفها، ولا تصل لأذنه المتهدلة قليلاً بفعل ثقل قلم الرصاص الذي لا يفارق مطرحه هناك، كان نظره منصبّاً على الأشياء الخشبية التي تملأ منجرته، الْيَوْمَ أكتشف أن هناك أشياء طَرِيَّة لا تمت للخشب بصلة! أتساءل عن طريقة الشبه بين الناس المتقاربين من خلال العشرة والرفقة والصداقة الطويلة، فالعجوز وزوجها في أوروبا تتماهى أشكالهما حتى يصبحا، وكأنهما أبناء عمومة، والصديقان يلتقيان بشكل يومي ولمدة طويلة ويشتريان من دكان واحد، ويطلبان نفس الأكل تقريباً بشكل شبه يومي، حتى تتقارب أشكالهما من بعضها، فلا يشعرانك إلا أنهما رضعا من خالة واحدة. ودك أن تساعد أي أحد في رهبة المطارات، ومتاهات الضياع، مثل ذلك المدرس القروي الذي تبدو عليه وعثاء طول المسافات التي بدأها من قريته بباص تابع للبلدية، والذي على وشك التكهين، وثمة تعرق على فترات متعددة بان في ياقة قميصه الأزرق الفاتح الفاضح، خاصة أن البدلة الزرقاء والوحيدة للمناسبات، ارتداها في سفره الصيفي هذا، فبدا بها وكأنه شخص غير مدعو، ولا مرحب به في حفل، كان تائهاً مع حقيبة وحيدة، خاصة أن اللافتات لا تحمل جمال الخط العربي الذي يعرفه مثل كفه، والمخلص له في الترقيم والتنقيط، وما يكتبه من ملاحظات غير مجدية لطلبته، كان ضائعاً ذاك المدرس الذي يمكن أن ينفض القصيدة العربية العصماء دون تأتأة، ويمكنه أن يعربها كاملة، ولا يكتفي بما تحته خط، ويخرج محاسنها اللفظية والكنايات، وما يبطنه الشاعر من معانٍ بلاغية، لكنه في هذا المطار الذي يشبه مفازة، علامة مدرس اللغة العربية دون الصفر بقليل، ولا يريد أن يعلق أو يزيد إلا جملة واحدة على هذا الضياع: «عليه اللعنة»! الأوروبيون في الإجازة الصيفية يعلمون أولادهم الانضباط والاستيقاظ المبكر، وأن هناك أوقاتاً لكل شيء، الأكل في موعده، الخروج في موعده، والنوم في موعد معين، نحن العرب في وجود سهيلة وأخواتها، وتلك التربية المتراخية، «كافيات عنا العبوله»: «خل ولدي راقد، وحين يصحو في الساعة الحادية والثلث، يجد فطوره جاهزاً، والبنت تترك مع نقالها في محادثات ومراسلات ذكية، وتنام قبل صلاة الفجر، يسافرون للخارج، ويظلون على نفس البرنامج، وضياع ساعاته، والتمطي والتثاؤب وانهداد الحيل، والشكوى من نقص الفيتامينات، وخاصة فيتامين «د»! amood8@alIttihad.ae