المتضخمون، المتورمون، المتورطون في الاحتقان، هم أصحاب الأنا التي لم تغتسل في النهر. الحب هو النهر الذي يذيب ملح الأنا ويحولها إلى قطعة سكر، لا يعرف مذاقها إلا العشاق. عشاق الحرية المسؤولة هم وحدهم يعرفون ما الحب؟ ولكن لماذا يتعارض الحب، والأنا؟ لأن الحب لا يقفز باتجاه قمة الشجرة، بل هو يلتصق بها، ثم يعلو شيئاً فشيئاً، وهناك في السمو يوجد نفسه، ومعه يوجد المحبون. بينما الأنا بطبيعته الفاسدة، يخب، ويهب، ويكب، ويجب، ويدب، ولا يحب أن يندمج مع الوجود، بل إن أنانيته تمنعه من أن يكون جزءاً من الآخر، لكونه يشعر أنه الخط الموازي للوجود، وهو الكون الآخر، الذي يسكن الإنسان. عندما يفقد الإنسان شاعرية الحب، فإنه يتحول إلى أرض جدباء وصخرة صماء وصورة شوهاء، وبحيرة سبخة عفنة شمطاء، وشجرة شائكة بلهاء.
المتورمون، أنانيون إلى درجة التضخم الروحي، ذاهبون في العزلة إلى درجة الانغماس. فلا نستغرب أن نجد أنانياً، عدوانياً، لا نندهش أن نرى أنانياً كارهاً لخلق الله من دون سبب أو حجة، فالأناني كائن، شحت أرضه، واتسخت تربته، واكفهرت صورته، واضمحلت جعبته وسقط في وحل العدمية. الأناني إنسان بلا هوية، بل إن هويته، هي البغضاء، والشحناء، والازدراء، والافتراء، والهراء، وإشاعة الموت، الأناني إنسان لا يسعد بوجود آخر سعيد.
الأناني لا يريحه وجود إنسان آمن ومستقر، ومطمئن. الأناني يريد أن يملك العالم، ويستولي على مقدرات الآخرين، وحريتهم، ومكانتهم في هذا الكون. الأناني، لأنه فَقَدَ مصل الحب، فإنه لا يعرف مكاناً للود، ولا يرى في العالم سوى سحابة سوداء، عليه أن ينزلها، من الفضاء لتعم الكون، وتغم الناس جميعاً. الأناني لأنه أصبح بلا قلب، كون القلب مكمن الحب، وكون الحب لا وجود له، فلا قلب، ولا درب، ولا سكب، ولا نخب، ولا حدب، ولا خصب، بل جدب، وندب، وكرب، وصخب، وحرب، وضرب، وشقاء أبدي.
ما يريده الأناني، أن تتحول الأرض، إلى جحيم، ورجيم، وفعل أثيم، وبوح سقيم. لأنه كائن لا يعيش إلا في الأحراش، والمستنقعات. كائن مكانه، كهوف البؤس. الأناني يبحث عن ذاته من خلال بؤس الآخرين، ولا يجد نفسه إلا على جثث الأبرياء ولا يسعده إلا لون الدماء. وعندما يصبح العالم مجموعة من الأنانيين، فإن مستشفيات علاج العقل البشري، سوف تعج، وتضج، وتفيض برائحة الأدوية، التي لا جدوى منها. نحن بحاجة إلى إعادة صياغة لخطابنا التربوي، وتشذيب شجرة العائلة، كي تخلو من عظم اللاءات القميئة.

Ali.AbuAlReesh@alIttihad.ae