ينسى الإنسان جسمه حتى يُسقطه الوجع. الأوجاع التي تأتي بشكل أو بآخر كإشارات كي يأخذ حذره قبل السقطة الأخيرة المدوية. أتساءل أيهما أشد قسوة، الأوجاع الجسدية أم المعنوية؟ يقول طبيب الأسنان وطبيب العمود الفقري في الآن ذاته «إني أتألم لأني أتخيل الألم». أقول لهما أنا لا أتخيل، أنا فقط أتألم. لو كان خيالي خصباً هكذا لأنجزت الروايات المنتظرة. والطبيب لا يقرأ إلا الأشعة التي لا تقول الكثير. من يصدق من؟ من يدخل في دماغ من؟ لا أحد يحس بألمك. ألمك شأنٌ يخصك. عليك أن تتذكر ذلك باستمرار. الإنسان حين يكون بخير لا يهتم، هو كثير النسيان، ميّال للإهمال، الجسد حين يزول منه الألم يصبح مجرد كتلة مهملة، تظن أنك مسيطر، فكل شيء على ما يرام، حتى تعاودك الأوجاع، فتعاود التفكر، تقول في الغد ما أن تخف الأوجاع ستغير نمط حياتك. ستبدأ نمطاً جديداً يقوم على الاهتمام والعناية والرعاية لهذا الجسد الذي يحملك ويحافظ على هيبتك وكرامتك. ماذا يفعل إنسان مهيب لم يعد يقوى على المشي باستقامة، لإنجاز مهامه البشرية الطبيعية، لأن جسده قد خانه، أو هو من خان جسده حين تعامل معه ببديهية. وإهمال جسدك انتهاك للروح التي تعوّل عليها. الروح تحتاج وعاءً سليماً كي تظل عفيّة لا يكسرها موج الأيام. ماذا تفعل الروح حين يأخذك بعيداً عنها الأنين تحت وطأة أوجاع مستجدة لم تكن قد حسبت لها حساباً بسبب كسلك وإهمالك واستسلامك. يظل العقل متقداً طالما ظل الكتاب بين يديك، فعقلٌ متقد قادر على حمل الجسد ليمارس الحياة بالشكل الأمثل. ما أن ينزلق الكتاب من بين يديك حتى تترهل روحك فيستسلم جسدك. يمارس هاروكي موراكامي الكاتب الياباني رياضة الركض باستمرار يقول إنه هكذا يستطيع أن يكتب. اليابانيون يفهمون سرّ الوصفة؛ فكيف ينشط عقلٌ في جسدٍ يئنّ. تنتشر صورة الكاتب الجالس الذي يضع يده على خده ممسكاً بقلم، كل كاتب ناشئ ينشر هذه الصورة، وهكذا يبقى جالساً هذه الجلسة التي ستكلفه غالياً لاحقاً، ناهيك أنها لن تنتج فعلاً المشاريع الكتابية المزمعة. أنت تحتاج أن تكون داخل معمعة تستلزم جهداً بدنياً، البدن ليس أريكة، هو لم يخلق ليظل مهملاً في زاوية بلا حراك، أي شيء يعيش على عكس ما خُلق لأجله يفسد قبل أوانه. اهتم بجسدك، ليس لتكون أكثر جمالاً ورشاقة، لكن لتكمل الحياة بكرامة من دون إهانة العجز والاحتياج.