عندما كنت في كندا مؤخراً ذهبت لمقهى قريب من مركز المدينة، ونادى مقدم الخدمة :«العميل التالي» وتقدمت لأطلب «المكياتو» فقام شابٌ بصنعه وهو يقول لي :«هذا أول كوب مكياتو أصنعه اليوم أرجو أن تحتسيه في المحل فإن لم يعجبك سأقوم بتعويضك عنه» فقلت له: «الدنيا حظوظ» فقال: «وكم أود أن يحالفني الحظ للسفر بعيداً فلا أقوم بصنع القهوة.. ولكن كما تعلمين هذه الوظائف «دكة» ندوس عليها ونرتقي»، كان يصب القهوة بكل تأن وعندما تساوت رغوة الحليب مع خلاصة البن قدم لي قهوة لم أذق مثلها في حياتي. فرفض أن يأخذ ثمنها قبل أن يتأكد من إتقانه لما قدم لي. فقلت له ضاحكة: «بعد أن أجهزت عليها لم تعجبني القهوة، ولكني أود شرب كوبٍ آخر حتى يترسخ الطعم في مذاقي وذاكرتي وأنا لا أحب قهوة المطارات أو الطائرات». فقال: «أنت في طريقك إلى المطار إذن.. رحلة قريبة أم بعيدة» فقلت له: «إلى أبوظبي»، فانفرجت أساريره وهب لصنع الكوب التالي وقدمه لي قائلاً: «لن تدفعي مقابل قهوتنا شيء فقد تابعت تقدم بلادكم والطائرة التي جالت العالم معتمدة على الطاقة الشمسية؛ كما سمعت أن أهل الإمارات يقدمون القهوة وأكثر لضيوفهم ويصبونها حتى يمل الشارب فيهز فنجانه.. نعم هذا هو الحظ الذي أتحدث عنه فكم أود زيارة المسجد الكبير والذهاب إلى الربع الخالي فما قرأته عن «الرمال العربية» يجعلني من عشاق البادية ومبادئها» . كاد يفقد وظيفته وكدت أتخلف عن طائرتي فقد انتهى بنا الحوار إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تسير في خطى ثابتة وبلا هوادة وهي عازمة على تحقيق الإنسانية وصون كرامة «الأوادم» وتعايشهم السلمي الذي تجسده سعادة الشعب والمقيمين. وتصدير السعادة بمنظومتها المتكاملة يعتبر من ضروب فنون المستقبل، فاستدامة الأمن والأمان عبر «القوة الناعمة» مثالٌ حي على رقي القيادة في تطلعاتها لعالمٍ يسوده التفاهم مستقبلاً. للعارفين أقول، في فلسفة الصين لتحقيق الطاقة الإيجابية واستدامة التسامح، كان لا بد من المشي لمدة عشر دقائق لتقول «شكراً»، وتكون شاكراً لوجود ما يسعد حياتك، وفي ذلك تصفية للروح والعقل. شكراً لقيادة حكيمة جعلت لنا اعتباراً وعززت آدميتنا وجعلتنا نمارس المستقبل بثقة وعزمٍ وجدارة.. هذه مدرسة زايد، طيب الله ثراه، وحفظ خلفه.