التعلق كلمة بسيطة، لكنها أعمق من المحيط، وأعلى من الجبال. هي في حقيقة الأمر سبب كل هذا الصراع البشري، منذ الأزل. صراع بين الزوج وزوجته، وبين الأخ وأخيه، وبين الدول، وبين الفقراء، وبين الأثرياء. إنها الكلمة السحرية التي قبضت على مصير البشر، وأصبحت جزءاً من حياتهم اليومية. فلو جاء رجل لصديق مثلاً، وبانت على وجهه علامات الحزن والأسى، وارتمى بالقرب من صديقه، وقال له، أنقذني إني أشعر بدنو أجلي، وهذه الحياة سأغادرها، لا ريب. ولما يسأله الصديق عن السبب، يجيبه أن فراق زوجته المتوفية، أمر لا يطاق وأنه يحس بالفقدان، بعدها يطبق على عنقه ويخنقه. عندما يسمع الناس مثل هذا الكلام من أشخاص قريبين منهم، فإنهم يضحكون ويعتبرون ذلك كذباً أو نفاقاً، بينما هذه هي الحقيقة. قد لا يكون هذا الشخص يحب زوجته، لكنه متعلق بها إلى درجة التفاني. وبالفعل عندما يحضر التعلق، يغيب الحب. لأن في حالة التعلق يكون وعي الإنسان غير حاضر، فهو متعلق لغياب الذات، وعندما تكون الذات مجهولة، فإنه لا بد أن يبحث الإنسان عن ذات أخرى، يستند إليها وتحميه من الشعور بالضياع. أنت تحب فأنت حاصر بكليتك. أنت واع، بذاتك، وجوهرك، هو مركز الدائرة، فلا تحتاج إلى ذات أخرى تتعلق بها. وكم هو التعلق مادة لاصقة قوية، فإنه يكون السد المنيع الذي يحرمك حريتك المتعلقة بشخص آخر، أو فكرة، أو مادة، يعاني من التعلق، بقدر ما هو شفوف بمن يتعلق به. هنا تصبح الإرادة مفقودة، وهنا تصبح الأنا تغطس في محيط واسع من الجهل بما يحدث للفرد. فهو يريد الانعتاق، يريد الحرية، لكنه مجذوب من قوة أخرى باتجاه من يتعلق به. فكل مجرم وكل متطرف، وكل من تخدر بالمفعول القوي الذي نقول عنه التعلق، إنه كائن، يعيش خارج زمنه، وبعيداً عن ذاته، إنه مستعبد من قبل ذات أخرى هو لا يعرف كيف حصل هذا. عندما تجلس مع شخص متطرف، وتسمع ما يقوله تأسف على حاله، لأنه يعيش في غيبوبة، هو لا يعرف ماذا يريد، ويتحدث بمصطلحات لا يفهمها، لكنه متعلق بها، لماذا؟ إنه التعلق المرير، وهو الكائن الذي يتوغل إلى جوهر الإنسان، لأسباب ضعف في التربية، وعلاقات غير سوية، وأفكار تلقاها منذ الصغر، مبهمة وغامضة، ومشوشة، ومشوهة، وفيها من الأنانية، ما يجعل من يتلقاها، يأخذها وكأنه يبتلع أقراصاً مخدرة، تستولي عليه، وتكبله، ويصبح عبداً لما يعتقده المنطقة الآمنة التي تحفظه من الخطر. إذاً يجب أن نعلم أبناءنا كيف يحبون، ولا كيف يتعلقون، حتى نحفظهم من التعلق والتطرف والإرهاب.