مد الجبناء أنوفهم في عرين الليث، وما شمّوا سوى عظام أسلافهم. وتداورت الكلابُ على قوافل الشجعان، ولم تجنِ من نباحها سوى أكل الغبار. وفي أوّل الزمان قال من خبروا الدهر إن الخساسة طبعٌ في النفوس الحاقدة، وإن الكرامة تولدُ أولاً على شكل نورٍ في العروق، ثم تصير شيمةً لمن يأبى أن يُداس ترابه بحوافر الغرباء. لكن الجبان لا يتّعظ، ويظل يلوك في الغلواء حتى تطعنه خناجر الخونة وقد كان يظنهم سنداً. والحاقد لا يستفيق من غيمة الغلّ حتى لو ارتفعت النار التي كان يشعلها وأحرقت بيته وكل من فيه. ومن يقرأ التاريخ مقلوباً، يظن النجاة في القفز للمجهول كلما ارتفع قوس العاصفة، وأن النصر يتحقق بالدسيسة والالتفاف على قيم المواجهة والإقدام. اجنح للسلم. هذه عظةٌ لا ينال فهمها من تلوث قلبه بالضغينة وامتلأ صدره بسموم الكيد للأخوة والأصدقاء والأهل والأحباب. اذهب للمحبة وشيّد قصورها حجراً حجراً بكلتا يديك، وسوف ترى أنك تنعم في رحابها متمرغاً في حرير الطمأنينة ومغسولا بالطهر والصفاء. أما إذا جلست تحكّ فتيل الفتن، وسمحت للأفعى أن تتجول حرّة في دوحتك وبين أهليك، فإنك خاسرٌ نفسك أولاً، وسوف ترى بأم العين كيف يتبدل وجهك في مرايا الآخرين لتصير رمزاً للخديعة، ويتبدل لسانك في مسامع الناس إلى فحيحٍ مفضوح، ويتغير شكل يدكَ إلى خنجرٍ مدسوس تسيل منه قطرات دمٍ بريء. حدث كل هذا، وسيحدث ما هو أشد طامّة حين تتشبث بوهم العظمة وأنت صغيرٌ بين الكبار. وحين تجنح للمكابرة في ساعة الاعتذار، وحين يوهمك الغرباء من بعيد بأن مكانك بينهم، فلا تعود منتبها لنصيحة الشقيق ولا لنداء الأم ولا لصوت الضمير الحي واليقظ. وساعتئذ، عندما تمد يدك، ستسمع: لا للمصالحة. ولن تصافح خنجرك إلا السيوف. وعندما تقف على طرف النقيض وتقول أنا منكم، لن يصدقك أحد. كلنا تحت ظل الله ندعو ونصلّي كي تمتلئ قلوبنا بالنور. لكن الذين ربيتهم في حجركَ، يقفون الآن تحت ظل الشيطان، ويدعون للفناء والفوضى، ويُصلّون كي يكبر الشقاق بين الأشقاء، ولا يلذّ لهم سوى مرأى الدم مسفوكاً بيدك. وما من طريق لنجاتك اليوم من هذا التشرد في طُرق العار سوى أن تعود إلى البيت الذي يحميك من ارتفاع الطوفان والغرق في النار. Adel.Khouzam@alIttihad.ae