شاهدت فيلماً وثائقياً في إحدى القنوات الفضائية وقد راعني مشهد الذبح المجاني في بلاد اسمها أوغندا.. في هذا البلد يقع الصراع على السلطة بين رئيس المعارضة في شمال البلاد جوزيف كوني والرئيس يوري موسيفيني.. القتل هناك يمضي بحد القيم الصدئة والإرادة البالية، والأحلام المغشية بغبار المعارك والنفوس المسعورة.. المتقاتلون من ديانة واحدة ولكن الذي يفرق بينهم موت الضمير ليذهب الملايين ضحية هذا النزاع الدموي الذي سيندى له الجبين الإنساني وتخرج من هذا المشهد بمفهوم واحد؛ أن التطرف ليس له دين وإنما هو وليد الفراغ الداخلي، فعندما تتحول الأنا إلى برميل متفجر يغيب الإنسان عن الوعي، بل إن وعيه يصبح منطقة منزوعة الحقيقة ولا حقيقة إلا موت الآخر لكي يستريح القاتل ويشعر بالظفر مستغلاً بذلك كل إمكاناته العدوانية من أجل القضاء على سواه، مستثمراً كل الذرائع والحجج لتبرير سلوكه العدواني وإشاعته كحقيقة لا ملاذ إلا إليها. القتلة في أي مكان وأي انتماء، ديني أو ثقافي هم في النهاية من فصيلة الموت، والموت في حد ذاته لا غرابة فيه ولا اعتراض عليه لأنه النهاية الحتمية لكل مخلوق ولكن المعضلة تقع في التبرير، فعندما يبرر كائن ما أنه يقتل ليصحح وضعاً اجتماعياً ما أو دينياً فإنه بذلك يضع نفسه مكان القاضي صاحب المعايير الدقيقة التي تفصل بين الحقيقة والخيال وبين الحق والباطل، هذا القاتل لا يبحث عن شيء خارج ذاته، وإنما هو يحاول الهروب إلى مناطق قد تعينه على إطفاء النيران في داخله وهو طبعاً مفهوم خاطئ وهو عصاب نفسي، المرضى وحدهم الذين يبررون أمراضهم لأسباب سحرية تعتمد على الشعوذة وما يفعله المتطرف هو جزء من هذا الانحراف الذهني عن الحقيقة وهو التحريف الحقيقي للقيم الصحيحة.. وإلا لماذا يقدم إنسان في ريعان شبابه على تفجير نفسه ليقتل العشرات أو المئات؟ إنه يفعل ذلك لاعتناقه مفاهيم خاطئة لُقن إياها، وأصبحت في مجاله العقل هي الثوابت التي لا يحيد عنها ولكي تصحح هذه المفاهيم السوداوية والعدائية فإن الإنسانية بحاجة إلى جهد جهيد لإزاحة الظلام بنور ثقافة مضاءة بالحب أولاً وبالوعي ثانياً وبالإيثار ثالثاً.. الذين يقتلون هم أموات لأنه عندما يفقد الإنسان ضميره فلم يعد حياً وإنما هو مثل عربة قطار انتقلت من مسارها الصحيح ووصلت إلى شارع مزدحم بالناس.