الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البطولة النينجويَّة!

البطولة النينجويَّة!
20 يوليو 2017 11:56
إعداد وتقديم: د. حورية الظل الإرهاب عنف عشوائي وشر غامض وأعمى، يولد في الظلام ويتغذى من الفوضى ويضرب كما اتفق، وتعريفات الإرهاب نسبية وغير دقيقة ويعتريها الكثير من اللبس، وتخضع تعريفاته للمرحلة التي يظهر فيها. وما يمكن تأكيده، أن مصطلح الإرهاب بدأ استعماله في الغرب مع الفوضوية الأوروبية والتي ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر، حيث اتهم الفوضويون آنذاك بأنهم إرهابيون، لذلك فإن مصطلح الإرهاب حديث نسبياً، ولم يكن معروفاً في القديم، فتوارى خلف أسماء شتى، كالعنف والبطش والاستبداد والاستعباد. ومفهوم الإرهاب يتغير بتغير ظروف نشأته، ونوعية التربة التي أنبتته، ويرتبط في الغالب بالملابسات السياسية التي كانت وراء ظهوره. وعنف الإرهاب يتجلى في دمويته الفادحة والتي تعد سبيله الأثير لتحقيق النتائج المرجوة في وقت وجيز، وفي الغالب تكون أهدافه تغيير الأنظمة السياسية عن طريق استعمال العنف، وهذا العنف يكون عشوائياً ومعظم ضحاياه من الأبرياء.   وبما أن الإرهاب أصبح مهدداً للدول ولشعوبها، وأضحى خطراً حقيقياً لا يمكن تجاهله أو التكهن بنوع جرائمه ولا بضرباته الفجائية والموجعة ولا بمكان تنفيذها أو بطريقة القيام بذلك، وبما أنه آفة خطيرة تنتشر في جسم الدول كسرطان مميت يتطلب إيجاد السبل لاستئصاله والقضاء عليه، ولحدوث ذلك انبرى الكثير من الباحثين والمفكرين للنبش في جذوره، والتنبيه لأسبابه، واقتراح السبل الكفيلة باحتوائه وطرق تحصين الشباب الذي يستقطبه الإرهاب ليكون أداة تنفيذ جرائمه، ويكون في الغالب هذا الشباب مهمشاً، ومن المفكرين الذين تناولوا قضية الإرهاب في كتاباتهم المفكر الفرنسي جان بوديار والذي ألف كتاباً تحت عنوان «روح الإرهاب» وغيره من المفكرين الغربيين والعرب، لكني اخترت شذريات للمفكر المغربي محمد سبيلا؛ لأن رؤيته أكثر عمقاً وموضوعية للإرهاب الذي أضحى أحد كوابيس الأمة العربية والمجتمع الدولي، ويحتاج لمفكرين تنويريين لتكثيف تحليل الظاهرة واقتراح الحلول الكفيلة بالقضاء عليه ومحوه من الخريطة العربية التي مزق الكثير من أجزائها، وذلك بتجفيف منابعه كمنع تمويله وقطع الطريق عليه من خلال الاهتمام بالشباب حتى لا تجد الرؤوس المدبرة للإرهاب والجهات الراعية له والداعمة لفظائعه ثغرات تتسلل منها إلى عقولهم للتأثير فيهم واستقطابهم، وجعلهم حطباً لنيرانه التي يضرمونها أينما اتفق وكيفما اتفق لخدمة أجندتهم الخاصة. ومحمد سبيلا في الكثير من كتاباته والمقابلات التي أجريت معه تناول الإرهاب كظاهرة شاملة يتضافر فيها الديني والسياسي والإيديولوجي والاجتماعي، كما تطرق لجذوره ولأهدافه ولخلفياته ولتدميريته وحلل ذلك بعمق المفكر والمثقف، واقترح بعض الحلول الكفيلة بالقضاء على هذه الآفة التي تحتاج تكاثف الكثير من الجهود وإلا سيظل خطره قائماً. ثقافة العنف تربت مع الإسلام السياسي *** إن بعض جذور التطرف الديني في عالمنا العربي موجودة منذ أكثر من ألف سنة. *** انتشر الإرهاب في العالم العربي في نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الواحد والعشرين، فهو عنف سياسي يعلن أنه يستمد أو يستلهم العنف من التراث العربي الإسلامي. ***  اقترن الإرهاب بالتحولات الكبرى التي حدثت في العالم العربي. ابتداء من انهزام النظام السياسي القومي في مصر سنة 1967، وحدوث الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979 وتوالد حركات الإسلام السياسي في المنطقة. *** تنظيمات الإسلام السياسي هي التنظيمات التي تناسلت منها العديد من التنظيمات التي تتوسل العنف أداة أساسية في العمل السياسي. *** الإرهاب هو الاستعمال الأقصى لأدوات العنف التكنولوجي، وله عدة مظاهر وأبعاد. فهو حدث بالمعنى القوي للكلمة، أي وقائع تدميرية ودموية مفجعة مصحوبة عادة بصخب إعلامي وارتجاج في السياسة وقلق لدى الرأي العام. *** الإرهاب ظاهرة مركبة يتشابك فيها ما هو إيديولوجي، بما هو سياسي، وبما هو ديني، وبما هو اجتماعي، إلى غير ذلك من العوامل الطارئة. *** الظاهرة الإرهابية ظاهرة كلية، بمعنى أنها على الرغم من ملامحها السياسية البارزة، فهي ظاهرة تتصل بكل مكونات البنية الاجتماعية، بمعنى تعدد وتداخل وتراتب وتضافر مختلف المكونات والعوامل والأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسيكولوجية والثقافية. *** الفعل الإرهابي على شكل هرم، قاعدته الأساسية هي المعطيات الاقتصادية والاجتماعية، ورأسه العوامل السياسية والثقافية. *** التطرف هو التشدد في الممارسات والأحكام وتبني كل ما هو حدي وطرفي في التصور والممارسة. ومن البديهي أن التطرف أو التشدد الثقافي والفكري هو الجذر النفسي البعيد للإرهاب، من حيث إن هذا الأخير يرتبط بتموين فكري أو عقائدي، وبتمويل يدور في إطار سياسات قصدية مخصوصة. *** التطرف والتشدد يعبّران عن رؤية ضيقة، وعن رؤية ثنائية تبسيطية واختزالية تتجه بسرعة إلى تقسيم العالَم إلى فُسطاطيْن  وعالمين: عالم الكفر وعالم الإيمان. وهي فكرة تجعل العالم كله ضدّنا، أو تجعل العالم الإسلامي ضد العالم كلّه. ***  أخطر نتائج التطرف والتشدّد وضيق الرؤية، في نظر الأستاذ عبد الهادي بوطالب، هي النتائج العملية المترتبة عليها حتْماً، أيْ  العنف الأعمى أو الإرهاب الذي هو، في نظره، حركة عبثية يرفضها القانون والأخلاق والعقل السليم وحتى التعاليم السماوية. والأستاذ بوطالب، في تحليله لظواهر التطرّف والتشدد والإرهاب، لا يكتفي بالإدانة، بلْ  يبحث أيضاً عن العلل البعيدة، ويفكر في الحلول الملائمة لها. فالتطرف المؤدي إلى ممارسة العنف هو نتاج الجهل والفهم السيئ للنصوص والأدلجة الميكانيكية، والتأطير الذي تمارسه بعض الفئات. كما أنه بدرجة أخرى نتاج للعطالة والبؤس والجوع والحرمان. لكنه ربّما بدرجة أولى نتاج للتأطير المذهبي وغسل الأدمغة من طرف بعض التنظيمات. *** المجتمع العربي الإسلامي، منذ نشأ الإسلام السياسي في أواخر القرن التاسع عشر، بدأت تتكون لديه فكرة أن إسلامه ناقص وأن سبب تدهور المسلمين يرجع إلى تفريطهم في دينهم، لذلك قامت حركات الإسلام السياسي على تجييش فئات اجتماعية معينة والتجأت إلى آلية يسميها ابن سلامة بـ«مضاعفة الأسلمة» *** لم يكن في إمكان الإسلام السياسي أن يحصن ذاته من الانزلاقات، وأولها الانزلاق نحو الحركية ورديفها المباشر، أي العنف، باعتباره أعلى أشكال الفعل السياسي قوة وتأثيراً. *** للعنف السياسي روافد نظرية وروافد عملية تنظيمية تصب إحداها في الأخرى، غير أن الجاذبية (بالمعنى الفيزيائي) نحو الإسلام السياسي لا تقل حتمية عن جاذبية دوامة العنف، التي هي بدورها عاصفة أو دوامة لولبية أخاذة وجاذبة؛ لأنها ترتبط بدورها بحتمية التنافس حول جدوى الفعل، والتي تغذيها تمويناً وتمويلاً إرادات وخطط سياسية. *** التحليل الشمولي للظاهرة الإرهابية هو الذي يراعي كل هذه المستويات: السياسي المؤامراتي، والاقتصادي والاجتماعي، والجذور الثقافية العميقة والجديدة للعنف، إضافة إلى البنية السيكولوجية الهشة لدى فئات معينة من الشباب. *** الحيوية التي كان يتحرك بها هؤلاء الشباب (يقصد محمد سبيلا الشباب الذين قاموا بعمليات إرهابية في أوروبا) خلال أدائهم للرسالة الإرهابية تعكس شعورهم وانتشاءهم بأنهم يؤدون - عن طريق القتل - مهمة قدسية سامية. هذه البطولة النينجويَّة تتضمن العديد من المركبات، أبرزها الانتقام من المجتمع الحالي القائم، وهو انتقام تختلط فيه المشاعر السلبية الحاقدة بمشاعر الهداية والنور وتذوب فيه اختيارات العنف في أتون المتخيل القدسي، الذي تم تصنيعه وتلميعه في مراكز صناعة الموت، ثم تصديره ليؤدي ضحاياه &ndash بشكل بهلواني - رقصات الموت القاتل بأمل الانتقال العاجل إلى الجنة عبر أنهار الدماء. *** العوامل الكامنة، وهي بمثابة خلايا نائمة وهي العوامل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تشكل عمق هذه الظاهرة وبنيتها الأساسية وعوامل اليقظة، أو العوامل الحاسمة وهي من مستويين: العوامل السياسية في وجهيها السلمي والمؤامراتي أو المخابراتي، والعوامل الثقافية أي ثقافة التحريض على الكراهية وممارسة العنف والإرهاب، فالعامل السياسي/&rlm&rlm المخابراتي، والعامل الثقافي هما الشرطان الكافيان لحدوث الفعل الإرهابي، أو بتعبير آخر أن الشرطين السياسي والثقافي يأتيان «في المحل الأخير» بمعنى أن حضورهما كاف لتوافر أركان الجرم الإرهابي. *** هل تمثل داعش قمة الإسلام السياسي؟ خلقت هذه الوضعية مشكلة عالمية للإسلام السياسي ولما يمثله من انزلاقات نحو العنف والحدود الدموية، وكذا إساءته للأهداف وللصور المثالية والنبيلة التي أنشئ من أجلها، وهذا ما يفرض اليوم بالضرورة مراجعات جذرية لهذا المسار في منابعه الفكرية وأوراشه السياسية على السواء، وذلك بموازاة مراجعات نقدية جذرية لحدود ثقافة التمجيد الذاتي التي تدور في إطارها التصورات العربية الإسلامية للذات وللآخر وللعالم إلى حد الآن. لكن بجانب المراجعات الأيديولوجية والثقافية يطرح على حركات الإسلام السياسي مراجعة برامجها واختياراتها السياسية، بهدف الحسم في الاختيارات الاستراتيجية الكبرى، بإعلان الاختيارات السلمية والديمقراطية كاختيارات أساسية حاسمة لا سبيل إلى تجاوزها. *** العناصر الأساسية للبنية الثقافية في بعديها التصوري (تصور العالم &ndash الزمن &ndash التاريخ - الغير&hellip) والأداتي (العقل &ndash التأويل الحرفية - الترهيب&hellip) وفي توجهها المحافظ تشكل تربة ومفرخاً ومستنبتاً حاضناً لظاهرة التطرف ولمشتقها الإرهاب. ومن ثمة ضرورة إعادة قراءة وتأويل وتوجيه جديد لهذه البنية الثقافية في اتجاه تكييفها مع ثقافة العصر، أي ثقافة العقل والحوار والقبول بالآخر المختلف وتثمين الحياة والتصور المستقبلي التقدمي (بالمعنى الحرفي لا الإيديولوجي) للزمن والتاريخ. *** تستشري ثقافة أو ذهنية دوغمائية تغلب فيها أدوار الدفاع عن الذات والعقيدة على مهام التفكير والبحث والتجديد. فقد تكون ثقافة ما متفتحة وقادرة على مواجهة ومحاورة الآخر المختلف بسبب قوتها وقدرتها على الفهم والاستيعاب، كما كان الأمر بالنسبة للثقافة العربية في مرحلة ازدهارها، وقد تتحول الثقافة إلى بنية مغلقة، تكرارية واجترارية تغلب فيها الآليات الدفاعية على آليات الاستيعاب والتطور كما هو الحال اليوم. *** لا يمكن القضاء نهائياً على الإرهاب إلا بنوع من تبيئة تحديثية للثقافة العربية الإسلامية، وهو الأمر الذي لم يحدث. *** إذا لم يقع تحديث الثقافة وتطوير الجانب التنويري والعقلاني والسلمي فيها، فإن الظاهرة الإرهابية ستدوم لعدة عقود إن لم يكن لعدة قرون. *** تصبح المسألة الثقافية ذات أهمية قصوى في فهم وتفسير ومعالجة المسألة الإرهابية، على وجه الخصوص بالنسبة لثقافة جرى توجيهها وتأويلها في اتجاه اعتبار الماضي بكل بنياته وأشخاصه مثالاً ونموذجاً يجب استلهامه، وتوظيفه لخدمة منظور مغلق للهوية التي يتم شحذها واعتبارها سمة مميزة ترفض ما عداها، وتستثمر ذاتها لإذكاء مشاعر النرجسية الثقافية التي تعوض عن خيبات الحاضر، وتلعب دور ووظيفة ثقافة لجوء وتعويض وطمأنة وبلسمة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©