(دولة الخرافة) هكذا وصف حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي داعش، في خطاب الانتصار، على هذا التنظيم الإرهابي. وبانتهاء داعش، هل ينتهي الألم العراقي العميق؟ أتصور أن هناك طريقاً طويلًا بطول نهر الفرات، لا زال مفتوحاً على الأفق، ولا زال الوجدان العراقي متسعاً للكثير من الملمات التي باتت مستوطنة في هذا البلد العربي الكبير. والمهم، فإذا كان العراقيون قد خبروا ماذا فعله العقل، عندما انغمس في الكراهية، وماذا فعلته السكين عندما قطعت الأيدي، قبل أن تقطع الرغيف لتطعم الفقراء والضعفاء، وتلهم الذين أسكرتهم الأيديولوجيا، أن ليس بالسكين يحيا الإنسان وإنما هناك قلب لابد أن يستعيد نبضه، ولا يحدث هذا إلا بتحرير القلب من الغبار. هناك تراكمات، وهناك ضحالة تملأ عقول الكثيرين، وهناك مفاعل نووي خطير ومدمر اسمه الطائفية، تغذيها دولة الطائفية في إيران، وتساندها آفات محلية، لم تزل تحلم بأن الشمس والقمر والنهر والبحر، والطير والشجر، كل هذه الكائنات والمكونات لا تشرق ولا تبرق، ولا تتدفق ولا تطير في الأفق إلا بتوجيهات سامية من قم، هذه المعضلة إن لم توقظ أبناء العراق بكل فئاتهم وشرائحهم وأديانهم وأعراقهم فنقول للسيد العبادي (كأنك يا بوزيد ما غزيت)، بعد تنظيف الموصل من دنس داعش، فإن العراق بحاجة إلى مكنسة كبيرة تطهره من العبثية والعدمية، والانتهازية والوصولية، وأصحاب العقائد المبهرجة بالتزمت والتعنت. العراق العظيم لا يمكن أن يكون تابعاً لذوي العاهات الطائفية، والأمراض التاريخية القديمة لأنه لم يخلق العراق ليضرب الصدر حزناً على الوهم، وإنما العراق، موجود بوجود الوعي الإنساني، العراق موجود بوجود الملاحم الإنسانية المذهلة، التي وضعت للعالم معالم الطريق الصحيحة، وحاكت قماشة الحلم من حرير الإدراك بقيمة الوطن، وأهمية تماسكه وضرورة أن يكون فضاءً فيه تحلق الطيور، بلا ريبة ولا خيبة، وتتعانق الأشجار لتظلل الرؤوس وتحمي النفوس، من لظى وشظف، وليعيد الفرات أناشيد الجواهري، وأغنيات السياب مفتوحة على العالم، منسجمة مع الوجود، منتهية من ضيق البكائيات، وكوابيس ماض قضى نحبه. العراق بعد داعش يجب أن يكون حاضراً في المكان بكل قدراته البشرية والمادية، وأحلام الشرفاء من أبنائه. والعراق قادر على هزيمة الطائفية كما هزم داعش، إذا أدرك قادته أن العراق أوسع وأكبر من أن يزج في صفائح عرقية وطائفية، العراق وجد على الخارطة لأن يكون للعراقيين، وليس للعرقيين، العراق طيف وليس طائفياً.