تقول الحكمة الإغريقية على لسان أرسطو(اعرف نفسك) وتقول الحكمة الشرقية (أحبب نفسك) وما بين الحكمتين مسافة، كما هي المسافة ما بين السماء والأرض. اعرف نفسك تعني ميّز نفسك عن العالم، أي ضعها في قنينة وأحكم إغلاقها، كي لا يتسرب الهواء إلى داخلها. أنت في هذه الحالة تخرج من العالم لتدخل في نفسك، لكن داخلك ضيق مثلما تدخل الخيط في ثقب إبرة، لو حاولت زحزحته  فقد ينقطع، ولو تركته، فإنه سيبقى كذلك إلى أن يبلى.إذاً حكمة الإغريق تقودك إلى معرفة المادة من حولك ولا تريك ما بداخلك، لأنها تريد المعرفة فقط، والمعرفة لاتعني التبصر في الداخل، وإنما رؤية الخارج، ومن نتائج هذه المعرفة فإن الغرب بأكمله هو عالم مادي ومتطور إلى أقصى الحدود، لكنه عالم جاف إلى درجة القسوة. في الشرق يقولون لك أحبب نفسك، وأنت عندما تحب نفسك فإنك ستحفظها، من غثيان المادة، سوف تكون أنت هو أنت وليس أنت هو المادة. وما بين العاطفي والمادي فضاء واسع لايمكن الإندماج بينهما إلا إذا فهم الغربي أن المادة من غير عاطفة كالجسد بلا روح، وكذلك لو فهم الشرقي أن العاطفة من غير مادة كالروح بلا جسد، ولا يصلح الاثنان بمفردهما. إذاً لوقلنا إن العالم مصاب بعصاب قهري، فعلينا أن نؤمن أن الكرة الأرضية برمتها مصابة بالجنون، كون العقل يقف في منتصف الطريق، فإما هو مادي، أو هو عاطفي، والأمران سيان. فالعاطفية لا تصنع مجداً للإنسانية وكذلك المادية. الإنسانية بحاجة إلى الإندماج العظيم، لتتخلص من عفن الحروب، والذوات المتورمة، والعقل البارنوي. ما الذي يجعل الإنسان يكره أخيه الإنسان؟ إنها المادية الفجة الخالية من الروح، التي تدفع بالتي إلى الأسوأ، وتجعل الفردانية والتقوقع منهجاً ثقافياً، كما أن الحب العاطفي المندمج مع الذات وليس مع الوجود هو أيضاً يغمس الإنسان في ذاتية منعزلة لا تقل سوءاً عن المادية. الاندماج العظيم والانغماس بعاطفة صاحية مع المادة تجعل العقل في براءة من الاغتراب الروحي، والاستلاب المادي. فكل من المادة والروح يشكل نصف الحقيقة، وباندماجهما، تكمل الحقيقة بناءها، ويصبح الإنسان كاملاً. ولا يمكن للإنسان أن يعي دوره في الحياة كجزء مكمل لمكونات الطبيعة، إلا إذا أكمل جزئية من الروح والمادة. Ali.AbuAlReesh@alIttihad.ae