في الطقس العالم يعيش على صفيح ثلجي، ذهب على أثره عشرات الضحايا، ولا نشك أبداً أن العالم الذي يسعى إلى تحديث تقنياته الحربية، ويبذل الأموال الطائلة بهذا الشأن، يعجز عن توفير مدفأة حتى ولو كانت بدائية الصنع للحفاظ على أرواح البشر، لماذا؟ لأن جوهر الحياة أصبح ثانوياً، مع أنسنة المطلق السماوي، ومع لهاث العالم خلف تطويق الحياة بسلاسل من نظريات وضعية وضيعة أخفت الروح البشرية وراء أدخنة فلسفية كثيفة وداكنة، وصارت القيم الإنسانية مجرد نفايات تلقى في مكبات واسعة الأفواه، ولا يختلف اثنان على أن العالم ذاهب إلى أبعد من ذلك، أي إلى عصر الميكنة، كما ذكر الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر، الأمر الذي يتم من خلاله تفريغ القيم الإنسانية من معانيها، وتحويل الإنسان إلى آلة جامدة، وطالما أصبح هكذا فلا رادع له كي يتطرف ويخرف، ويجرف وينحرف عن الطريق ليمد يده إلى عنق أخيه الإنسان، وينهي حياته بضغطة ذر. نجد دولاً متخلفة في كل المجالات حتى أن بعض شرائح من مواطنيها يعيشون تحت خط الفقر، والأمية ضاربة في الأطناب، والعوز سيد الموقف، ونحن عندما يبرد الطقس وتكسو الثلوج جسد الأرض، نقول يا ليت الثلوج تستطيع أن تخفف من وطء الحماقات البشرية، وتوقف النزيف القيمي، وتعيد الإنسان إلى صوابه، فلا أعتقد أن الأرض عاجزة عن إطعام أبنائها وإروائهم، ولكن السعرات الحرارية في الجسد الثقافي لدى بعض أصحاب القرار في تلك الدول تعميهم عن رؤية الحقيقة، والامتناع عن الجشع في طلب التفوق على الآخرين، حتى وإن كان ذلك على حساب شعوبهم، وحتى ولو كان ذلك يمتص مقدرات هذه الشعوب، ويحولها إلى متسولين ومنقبضين عاجزين عن توفير أدنى متطلبات الحياة. عندما ننظر إلى المشهد في بلادنا نشعر بالاعتزاز، لما حظينا به من تميز وتفوق وليس لأننا نمتلك الموارد التي تؤهلنا لذلك، بل لأننا رزقنا بقيادة تنعم بالقيم الراقية، وتزخر بأحلام السماء المعطاءة، وتزدهر بأعشاب الحب، ما جعلها تثرى وتغنى وتمد سجادة من سعادة على ربوع الوطن، وهي مستمتعة بهذا العطاء، وهذا السخاء، وهذا الوفاء للإنسان. ففي بلدان الأنهار يظمأ الإنسان، وفي بلدان الزهر والشجر يبحث الإنسان عن قوت يومه في مكبات القمامة، وهذه هي معجزة القيم التي يتمتع بها الإنسان عندنا، أنه صنع رفاهيته ليس من المادة، وإنما من الروح الشفافة، والنفس المطمئنة، والقلب المعشوشب بالحب، ما جعل الحياة تنمو كأنها أجنحة الطير، وتزدهر كأنها أغصان النخلة الوارفة.. حفظ الله الإمارات وقيادتها وأهلها.