طوال عمره، لم يستطع المثقف أن ينأى بنفسه عن الصراعات الدائرة من حوله حتى لو عزل نفسه في جبل بعيد. فهو كائنٌ معنيّ بالحقيقة، ومجبول على قراءة حركة تغيّر التاريخ كي يستخلص منها القيم التي تدومُ، وتلك التي تبلى. ويدرك المثقف في عمقه مسؤولية وثقل الكلمة التي يقولها ومدى قربها من الحقيقة أو الزيف. وهو يعلم جيداً بأن التاريخ لن يرحمه أبداً. فكيف يواجه المثقف القطري نفسه هذه الأيام وهو يعيش في دولة يتهمها العالم كله بدعم وتمويل الإرهاب. وكيف يمكن أن يقنعنا بعكس ذلك، وهو يرى في شوارع وطنه طوابير الخونة من الدول المعادية لأخوته وجيرانه وأصدقائه وأبناء عمومته يسرحون ويمرحون ولهم اليد العليا في البلاد التي كانت آمنة يوماً وسط جيرانها. وكيف يروّض عقله على تصديق خطب الإرهاب العلنية التي يروّج لها القرضاوي وأمثاله في منابر الدجل. وحين يُمسك المثقف القطري قلمه ويذهب ليكتب، كيف تنفصم ذاته في العمق حين يجد نفسه مدافعاً عن الشر، يخط رسائل الهذيان بلا حقائق ولا بيّنات سوى المديح الكاذب للدجالين والخائنين. أي قيمة يمكن للمثقف القطري أن يدافع عنها اليوم، وهو لا يملك الحجة والدليل والبرهان على نفي تهمة واحدة من تهمٍ كثيرة جداً يوجهها العالم إلى حكومته التي تواصل مسلسل الغيّ والتعنّت، والإصرار على الخصومة، والتلذذ بالارتماء الأعمى في حضن الغرباء، وأولهم إيران الحاقدة ذات الوجه القبيح والمخالب العفنة. والسؤال الكبير الذي ربما لا يجد المثقف القطري له إجابة حتى الآن هو: ما الذي تستفيده قطر من إيواء هؤلاء الشراذم من خونة أوطانهم، ومن الجواسيس والمارقين والدجالين حتى أصبحت الدوحة اليوم بؤرة للعقارب التي تبث سمومها على الجميع. وسؤال آخر أظنه كبيراً وهو: هل كان المثقف القطري يرى نفسه شريكاً مع هؤلاء الذين ظلوا لسنوات، عبر قناة الجزيرة وغيرها، يهاجمون الدول العربية لتخريب استقرارها، ويكيدون للدول الشقيقة والجيران على مرأى ومسمعٍ منه، ولم يغير شيئاً حتى لو بقلبه؟    ننادي صوت العقل في دارنا الشقيقة ولا نجد رداً سوى العناد، ونهتف إلى تغليب الحكمة ونفاجئ بقرارات أشبه بالجنون. ونشير لهم بكل أصابعنا إلى طريق المحبة والصداقة والخير، ولا نرى سوى المزيد من السقوط في درب الكراهية والظلام الأعمى. Adel.Khouzam@alIttihad.ae