حين تصح ثقافة المجتمع ترقى بها الأمم، وحين تغيب الثقافة أو توجّه في مسارات عبثية، تخضع تحت همجية الخوف والذل، وتنحو نحو تحجيم العقل، وتهميش رؤى البشرية التي من المفترض أنها تعظّم النجاح، بعيداً عن النزعات العرقية وغيرها. عرفت الأميركية «برنسيس» من دون مقدمات، وهو أمر عادي عند الشعب الأميركي، فأنت لا تحتاج إلا أن تقدم نفسك فتنسج صداقة جميلة. وبعد فترة من التعارف، حدثتني «برنسيس» عن نادٍ نسائي اجتماعي وثقافي يسمى «سرورتي»، وعرفت فيما بعد أنه جزء من هيئة نخبوية أميركية أنشئت عام 1908، وتسمى «أوميغا ألفا كابا ألفا»، ولها فروع ببعض الدول. وفي العام الماضي دعيت لحضور احتفالية سنوية لهم في أبوظبي، وحضرتها شخصيات مختلفة من أطياف المجتمع الأميركي والعربي، ومنهم رجل فضاء أميركي من أصل هندي، كان حديثه ممتعاً عن ماضي أبوظبي التي سكنها، بمنتصف الخمسينيات وقبيل رحيله إلى أميركا والعمل في (ناسا). في الاحتفالية الموسمية تلك، تم عرض فيلم سينمائي بعنوان «هايدن فيغرز» أو أرقام مخفية، يتحدث عن شخصية امرأة سوداء نابغة فكرياً وعلمياً هي دورتي فوغان، وكانت تعمل في منظمة (ناسا)، وفي زمن كان يمارس الاضطهاد والعنف ضد السود، لكن هذا الواقع جعلها هي وصديقاتها العالمات الثلاث أكثر إصراراً. ولم تثن قيود العنصرية فوغان من أن تظهر أو تساهم في تقدم وطنها، فلفتت انتباه كل من حولها، ومنهم كبار القائمين على المشروع، فحتمية السباق الفضائي بين الدولتين الأميركية والروسية، وتقدم الأخيرة جعل الشعب الأميركي يسأم من العنصرية ويحطم لافتاتها في أرجاء (ناسا) وسائر المؤسسات ويتجه في توحد لا مثيل له نحو فضاء الحياة ومهنة السلام والحرية. ولا شك أن هذه المؤسسة «أوميغا ألفا كابا ألفا» وهي تجوب العالم، لا ترفع إلا شعار الحرية ولا تتحدث إلا بلغة المجتمع المتوحد ضد العنصرية، ولا تسهم إلا بالحياة والسلام والتقدم الاجتماعي، وتمد اليد إلى مساعدة الشعوب وخصوصاً المنكوبة.. هذا هو دورها الريادي الذي يظهر في كل احتفالية سنوية، حيث يتم عرض الأرقام والمجهودات وكأنه تحفيز كبير على العمل الإنساني. وقبل أيام تم الاحتفاء بالمجموعة بدبي، وتحت رعاية كريمة من معالي الشيخ نهيان بن مبارك الذي أشاد بجهودهم في خدمة الإنسانية الثقافية، الأمر الذي يؤكد أن المؤسسة تنطلق من حالة التنوير على ضفاف المحبة ورسالة الاستشراف على الحياة الحرة والبعيدة عن التناقضات المجتمعية المريرة.