حكاية العربي مع المليون حكاية، فلو كسب شخص تسعمائة وتسعاً وتسعين نعجة، فستظل عينه على الألف، ولو كانت نعجة عجفاء، برامج من سيربح المليون، اكسب معنا المليون، السحب على المليون، مليونير الشهر، وتتعدد المسميات، والهدف مليون، والحكاية مع مليونير طارئ، حكاية لا تخلو من عظة، ومن فكاهة. كان بسيطاً وحالماً مثل كل الذين يقررون الهجرة للعمل، كان يتخيل أن يجمع المليون، ولكن بطريقة مجزأة، فلوسه، على فلوس المرأة، والولد الذي يريده أن يشتغل هنا مبكراً، لكي يساعد في المصروف، على دروس خصوصية، على فتح محل بائس للطباعة، على كم تنكة زيت زيتون من الضفة، على مزيد من العمر ينقضي هنا، غير أن يبشر بمبلغ كهذا، فقد شكل هجوماً قاسياً على رأسه، وعدم توازن في سيره، تذكر أيامه الأولى، كانت الاقتراحات تأتي إليه متكاسلة بعد زيارة الأقارب المملة، وبعد أن تكون بقايا فناجين القهوة قد بردت حد الضجر، كان ينصت إليها مع قلة حيلة: «يا أخي حاول أن توفر، السكن في مصفح أرخص، وبعدين هو ضروري أن تسافر في الطيارة كل صيف». وبعد أن فلق حظه الصخر، وربح المليون، هاجمته الأفكار الجديدة، ولأول مرة يفكر في انتظام دقات قلبه، لأول مرة يزور صالون حلاقة لبناني، كان القلق يذهب به بعيداً، ماذا لو حدث شيء قبل أن يتسلم المليون، بدأ التفكير في الأمور الشخصية، ثم انتقل إلى السياسة الاستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية، وعدم استقرار العالم، والكوارث المالية! تبدلت اقتراحات الأقارب والمعارف، وظهرت الأفكار النشيطة: «قسماً بالله أنه مشروع ناجح، ومضمون، لكنه يحتاج إلى قلب قوي، وواحد سبع، وأخو رجال، ولا يخاف». فيرد على حماسة الطرف الآخر: «هو يا زلمة هاد مشروع ثأر، وإلا إيش»! «أسمع يا ابن عمي، خذ هذه الرخصة التجارية، ولن تخسر شيئاً، اتركها للمستقبل، لا أحد يدري بالظروف». «قرايب، بدك تشغل هالولد العاطل الهامل عندك، ما لنا غيرك ها..». «فكر في شراكة صاحبة رخصة مدرسة، تراها شغلانه مربحة، وما بدها وجع هالرأس». «يا أخي متّع نفسك وزوجتك وأولادك، وين ساكن في مصفح». «أسمع نصيحتي وأنا عمك، خذ قطعة هذه الأرض في البلد، واتركها». «عليّ الطلاق من أم غسان، لو عندي فلوسك، لاشتريت باصات وميكرو باص وشغلتها سرفيس». «الأولاد بدهم يشموا شوية هواء في مصر، واعمل حسابك الحاجة أمي تراها ناذرة تسير الحج هالسنة». «بدّل السيارة، غيّر الأثاث، اشتر لك تلفون مثل تلفونات هالمواطنين، وغيّر رقمك، جدد شبابك، وبلاش من نظارة هالمدرسين الكبيرة، روّح عن نفسك، واسهر، خليك أسبور»!