شهد الشأن الثقافي والفني، والفكري أيضاً، تطورات كثيرة، بعضها جاء طبيعياً ومتماشياً مع التحولات الإقليمية والعالمية، وتحولات الحياة، ما يشي بمحاكاة التغيرات الخارجية، بشكل يبدو معه وكأن القديم الجامد الذي سارت عليه الجزيرة العربية، قد بدأ يتخلخل سريعاً، خصوصاً بعدما انتهت صلاحيته وكبر السؤال: فهل تقبل التغيير أم لا تقبل؟ وبعد مخاض طويل وتحولات كثيرة شهدتها المنطقة العربية، ومن ضمنها الجزيرة، أصبح من المحال أن تصمد العهود القديمة والأفكار القديمة، فهناك الآن واقع جديد، وأفكار متجددة، ورؤى حديثة، تفرض نفسها في المنطقة في المجالات كافة، وعلى الخصوص في التعليم والثقافة والفن والمجتمع. وهو واقع يجعلنا نثق بأن الجزيرة العربية سوف تنهض على قاعدة أفكار مبدعة، ونظم ولوائح جديدة، والتغيير السريع يحتاج إلى قرارات جريئة وقوية. الآن تفتح بعض الأبواب المغلقة، ويجري تسريح الحارس القديم، فإما أن يسرح في البرية هائماً خلف غبار زمنه المنتهي أو يبقى قابعاً في ركن قصي بارد ومظلم لا سراج له أو نائماً في كهف الماضي، تناثرت أسنانه وشاخ حراسه ولم تعد قوته الاجتماعية والدينية تسعفه. إننا نعيش في عالم يتواصل ويندمج سريعاً، ولم تعد الوسائل القديمة في الإعلام والاتصال ذات جدوى في تزييف الوعي، ففي هذا الزمن الجميل، تفتح الأبواب والنوافذ للشمس والضوء، وتخرج الأصوات التي كانت خافتة في الزمن المنصرم. هذا التحول ستكون فوائده عظيمة وكثيرة، خاصة في البعد الثقافي والمعرفي والفني والاجتماعي. لنتصور أن مئات المسارح وقاعات السينما وعشرات المنصات الفنية والإبداعية سوف تولد من جديد في مدن ومناطق وقرى لم تعرف قاعة للموسيقا أو مسرحاً فنياً أو ورشة للأعمال الفنية، بل لنتخيّل أن أعمالاً فنية متنوعة سوف تعرض في الساحات والمحطات والحدائق العامة والخاصة، ولنتصور أن هذه الفنون سوف يتعلق بها عشرات من الشباب الجدد، فيستلهمون منها ما يفيدهم في تقديم بيئاتهم ومدنهم عبر أعمال فنية مثل اللوحة والتشكيل والمسرح والموسيقا، وكذلك بالتأكيد سوف تظهر جامعات ومعاهد تهتم بالإبداع الثقافي والفني بمختلف صنوفه وجمالياته.. في الجزيرة العربية إرث وتاريخ ثقافي وشعري عريق، وخلال الخمسين سنة الماضية ظهر الكثير من المبدعين متكئين على ما تركه السابقون.. وكل هذا التراكم والخزّان الثقافي، سوف ينطلق ويتفجر إبداعاً في ظل الانفراج والانفتاح على العالم في المعرفة والثقافة والفنون عندما يختفي ذلك القيد القديم والمسوّر باعتبارات كانت تحارب الثقافة بكل تجلياتها، خصوصاً في المسرح والموسيقا والفنون.