في الحياة اليومية.. إذا طرق الباب فعليك أن تفتح! وإذا رن التليفون فعليك أن تجيب! بغض النظر عن الوقت مناسباً أو غير مناسب، مشغولاً أنت أو غير مشغول. فطالما أنت في بيتك إذن أنت غير مشغول، أو أنك مشغول بعمل غير مهم. أو ليس أهم من أصدقائك أو معارفك أو الناس. أن تكون غير ذلك كله فأنت عصابي، غير سوي، عندك مشكلة غالباً عقلية أو عصبية..أنت تعيش خارج المجتمع.. لست واقعياً.. لست اجتماعياً! وإذا كنت صامتاً في جلسة تهريج فأنت إما أنك لا تحب الجلوس مع الآخرين، وإما أنك تعاني فشلاً ما، وإما أنك تنطوي على سر خطير. هكذا يتم التدجين، ويتم الإلغاء ويتم التشذيب، ويتم عزلك خارج «القطيع»! هكذا يتم اغتيال ذاتك وقواك الداخلية ونشاط فكرك ومشاعرك وحركة تبدلك وتغيرك.. هكذا يتم التشابه بين الناس جميعاً. ربما تشعر بشيء من البرد لجملة أسباب صحية فتلبس ملابس دافئة غير ملابس الحر السائد، لكنك ستكون موضع تعليق في أحسن الأحوال وسخرية في أسوئها. وتوصم بأنك غريب الأطوار. وغالباً ما يدفع الفضول بأحدهم إلى سؤالك بشيء من السخرية: (يظهر أنك نسيت أننا في فصل الصيف!) أو يكمل الآخر: ذهنه مشغول. ويعلق آخر: (لا هذه الملابس التي كانت على الشماعة!)، وتصبح موضوعاً للتندر ولانفتاح القرائح المتقرحة. وأنت تنحسر وتنكفئ وتتشكل بصمت وخفاء وفق رأي الجماعة وسلوكهم ورغباتهم وأهوائهم. وكل فرد من تلك الجماعة محكوم بما أنت محكوم به.. حتى صاروا متشابهين. نسخاً مكررة لمفاهيم محددة ومكررة وسائدة. من يجرؤ على الاختلاف.. من؟! فمنذ طفولتك: (ابن الجيران نجح فلماذا لا تنجح! وأخوك مطيع ومهذب فلماذا لا تكون مطيعاً مثله. وأخوك صار طبيباً يكسب جيداً وتزوج امرأة من العائلة، ابنة عمه مثلاً، جميلة، ربة بيت ماهرة (!) فلماذا لا تكون مثله؟!!) وهكذا يتمّ إخضاعك! فإذا نمت في غير الأوقات التي ينام فيها الناس فانت إما مريض أو كسلان إذا تكرر نومك.. وإذا استيقظت في غير الأوقات التي يستيقظ فيها الناس فأنت مريض بالأرق. وإذا لم تلبس وفق الموضة السائدة فأنت لا ذوق لك، متخلف، أو معقّد.. ودائما كلمة «معقّد» تحسم الموقف منك وتلغي الرغبة في فهمك ومعرفة الأسباب التي تجعلك لا تعيش وفق ما هو سائد!