في الشارع تمر عليك باقة من البشر، بعضهم ذبل وتوارت ألوانه، وتلاشى عطره، وبعضهم يلمع باللون الزاهي، ويفوح منه عطر الحياة، وينبض بالطاقة، كأنه الموجة. تعرف هذا الإنسان أنه عاقل، أم لا حين الغضب، وعندما يواجه الشخص مشكلة ما وعندما تعترضه قضية شائكة. المواجهة، والحلول، والتعاطي مع المعضلات، كل ذلك يفصح عن عقلانية الإنسان، أو لا عقلانيته. في الشارع، وهو الكتاب العملاق الذي تقرأ فيه عن حالات البشر، وشخصياتهم، وتحلل، وتدلل، وتكشف المعادن، وتعرف من هو المعدن النفيس، ومن هو السلعة البائرة؟ عندما تجد شخصاً يقف خلفك، ويفجر بوق سيارته، لمجرد أن تفتح الإشارة الخضراء، فاعرف أن هذا الشخص، يعاني من ضجيج داخلي، وأنه يقع تحت ضغط عصبي، شديد المراس. هو لا يريد مضايقتك بإرادته، وإنما هناك قوة صارمة تدفعه لأن يفعل ما يفعله، وتضغط على أعصابه بحيث تصبح هذه الأعصاب مثل أسلاك كهربائية تالفة. هذا النموذج من البشر، مغيب، ويعيش في محارة التوتر، هو في نهاية الأمر، كائن نسي العقل في درج الإهمال، وانتقل إلى الشارع بمحفظة خاوية، وبلا رصيد عقلي، وبالتالي، من يذهب بلا عقل، يأتي بلا نظام، ومن يأتي بلا نظام، يدخل في فوضى الموجات المتلاطمة، والأفكار المزدحمة. في المقابل نجد آخرين، يمضون في الطريق، مثل طيور حالمة بزرقة السماء، ونقاء الماء، وعذوبة الحياة. هؤلاء أشخاص، تحرروا من بؤرة الخطر الداخلي، وأصبحت أنهارهم نقية من الشوائب ومن الطحالب، والمثالب والصواخب، والنواكب، والنوائب، هؤلاء كائنات، من صنع القيم الصافية، هؤلاء فراشات بألوان المحبة، ورائحة الود، هؤلاء تخرجوا من مدرسة الطمأنينة ولم يعد ما يعيق طريقهم إلى السواء، ولا شيء يعرقل قواربهم الذاهبة إلى الحياة. نعم الشارع فيه السر المكنون، هو المكان الذي تكتشف فيه نفسك والآخرين، وتعرف إن كنت صاحي العقل، أم أن عقلك في حالة غياب، وذهاب بعيداً عن الواقع. إن كنت تريد أن تذهب إلى السوق، أو العمل، أو المدرسة، فانظر إلى المرأة، فإذا رأيت تقطيبة على جبينك أو ذبول في عينيك، فتوقف، وتأمل، وتزمل بالهدوء، ثم فتش عن سبب ذلك الاكفهرار، والذبول ولابد أنك ستعرف السبب، ولابد أنك، ستضع يدك على العدو الذي يداهمك بغتة، فاطرده، وافعل كل ما بوسعك، لتفريغ العقل من هذه الحثالة، وسوف تصل إلى مكانك الذي تريده دون أن تصطدم بالآخرين، ودون أن تعكر صفو علاقتك بالناس.