كم هو صعب حال الأطفال العرب في مراحل أعمارهم المختلفة، قياساً بما يقدم لأطفال العالم المتقدم في أميركا وأوروبا، خلال فقط فترة إجازتهم السنوية، وقدوم عيد الميلاد، ونهاية العام الميلادي من أفلام خاصة ومنتقاة وتخاطب فرحهم، وتذكي مخيلتهم، وتربطهم بثقافاتهم، وتصنع لهم «أيقونة» القدوة التي يريدونها، وترسخ معاني القيم في نفوس الأطفال والناشئة، يمتد هذا الفرح في آخر شهر من كل سنة إلى كل البيوت، وتبلغ الحفاوة وجميل ما يقدم لهم متسعاً، بحيث يتعدى خارج قاعات السينما إلى المحيط المجتمعي، ففي كل عام ألعاب مبتكرة، وجديدة، ومختلفة، وبرامج تلفزيونية، ومسابقات لاكتشاف المواهب، وصنع البهجة لهم في كل مكان، وبكل شيء، بحيث لا يمر العام، ولا يدخل عام جديد إلا بمزيد من الفائدة والمعرفة والدهشة والمتعة، في حين يتجه معظم أطفال العرب والمسلمين إما إلى لهو بلا فائدة، ويبلغ منتهاه بالسهر ليلاً على الهواتف الذكية، والنوم نهاراً ليضيع اليوم بأكمله، وإما إلى رحلات لمدن تعودوا أن يروها بلا ثقافة كل عام، وإما أن تسلب براءة الطفولة منهم، والضغط عليهم للتحصيل والتحضير لبدء دراسة ما بعد الإجازة، وكأن الجدّية والصرامة المبالغ فيها تصنع الرجولة، وإما دفعهم للعمل المبكر في مهن قد تليق بالأب ولا تليق بالابن العصري الجديد، كل ذلك في ظل غياب إعلام واعٍ من حولهم، وترفيه مدروس، ومحاولة غرس قيم وقدوة من تراثنا وثقافتنا وبيئتنا فيهم، وهذا دور مؤسسات عامة وخاصة، وإدراك مجتمعي متكامل، اليوم أطفالنا يعرفون قدوتهم من ثقافة الآخرين، ويختارون رمز فخرهم من بيئات الآخرين، ويستمتعون ببعض طفولتهم مما يصدره لنا الآخرون!
لقد أحصيت أفلام المناسبات والتي تظهر عادة بدءاً من شهر ديسمبر للأطفال سواء كرتونية أو أفلام روائية مختلفة، والتي تخاطب فرحهم وأعمارهم ونمو ثقافتهم ومعارفهم، فإذا بها تبلغ الأربعين فيلماً ويزيد، في حين السينما العربية لم أرَ طوال عام كامل فيلماً يخاطب مراحل عمرية محددة عند الأطفال أو يهتم بمناسبة عامة عندهم، ولا عملاً كرتونياً يزيد من بهجتهم، ويرشدهم دون تعاليم ودون وصايا سمجة، ويحترم عقليتهم الجديدة، فما عاد الطفل العربي هو ذاك الطفل الذي يدهش من الطائرة المحلقة، ولا عاد يخاف من كلمة «الشرطي» أو من «حمارة القائلة»، الطفل العربي والمسلم مسجون في بيئة طاردة لطفولته أو متروك لبيئة خارجية تختلف عنه، لكنها تربيه بما تقدم له في غفلة منّا!