‏بالفعل.. كل كتاب يعد مكتبة؛ إنها حقيقة تتأكد لي كل يوم. كل كتاب قمت بقراءته، فتح لي أبواباً على قراءات أخرى، خصوصاً الروايات بما تحيل إليه من سير ذاتية وأحداث تاريخية ونظريات فكرية وجدالات فلسفية ومعلومات علمية وفنون مختلفة وخيال شاطح. الرواية مكتبة متشعبة لا حدود لسقفها ولا نهاية لرفوفها.. مكتبة يشعر بها القارئ الحقيقي. ولهذا فإننا عندما نقرأ أي شيء.. وأؤكد هنا أن أي شي نقرأه، لا نبقى كما كنا قبل فعل القراءة، إننا نتغير؛ خصوصاً عندما نقرأ ولدينا غرض ما من ذلك الفعل كإشباع فضولنا أو لاستيضاح ما يُحيرنا، أو فهم ما يثير حفيظتنا.. كوننا نتحرك بسبب حافز نتيجته الأكيدة والمتحققة: الاستمتاع. ما يحدث بعد انتهاء القراءة والعودة إلى الواقع، أن القارئ يستشعر الفرق بين ما كان يجده بين صفحات الكتاب وبين ما يجده في محيطه، وعادة ما يصيب البعض نوعاً من عدم الرضا الذي يجعله يقرر بأنه يجب ألا تبقى هذه الأشياء على حالها، يجب أن تتغير إلى الأفضل. وهذا الشعور الذي يصيب القارئ هو صحي تماماً. يخبرنا بعض مؤسسي كبريات المواقع الإلكترونية أنهم كانوا من المهووسين بقراءة قصص الخيال العلمي، فيما التزم الكثير من الشخصيات التي أثرت في التاريخ في صباهم، قراءة كُتب سير العظماء.. وهكذا. فعادة ما تدفع القراءة مريديها إلى تغيير ما حولهم ليكونوا أفضل حسب ما اعتقد من خلال ما يُقرأ. حتى تلك القراءات التي نصنفها «بشعة ومزرية» وتحكي عن واقع قد نعتقده مبالغاً فيه أو لا يشبهنا ولا علاقة لنا به، تجعلنا مختلفين بعد قراءتها، نصبح بعدها أكثر امتناناً لمحيطنا، وأفضل تسلحاً لمواجهة أي تحد قد يطرأ في مستقبلنا، وأكثر مهارة وحنكة في مواجهة الزيف والكذب، وأكثر خيالاً لإبداع ما نعتقد أننا قد نحتاجه؛ كما نصبح أشد إنسانية وحساسية تجاه الآخرين المختلفين عنا. لا أحد يبقى على حاله بعد أي قراءة مهما حاول ادعاء عكس ذلك. إننا نتغير، ونقرر أنه يجب ألا يبقى محيطنا كما هو، يجب أن يكون أفضل وأرقى، وأن نتركه أجمل لمن سيلحق بنا. إنه الكتاب.. المكتبة. إنه الكتاب.. مدرسة الحياة‏.