في كلِّ مرة يحتفي فيها العالمُ بلغتنا العربية الأكثرَ من جميلة ورائعةٍ، تسطع في ذاكرتي يوم حاولت فيه بما في ذخيرتي من حصيلة باللغتين الإنجليزية والإيطالية أن أنقل الصور البديعة والعميقة والغزيرة بالمعاني والدلالات الواردة في بيتين لعنترةَ بن شداد لصديقة إيطالية وخطيبِها، بينما كنا في حوار بأحد مقاهي العاصمة روما، يقول فيهما:
وَلَقَد ذَكَرتُكِ والرِّماحُ نَواهِلٌ - مِنّي وبِيضُ الهِندِ تَقطُرُ مِن دَمي
فَوَدَدتُ تَقبيلَ السُيوفِ لأَنَّها - لَمَعَت كَبارِقِ ثَغرِكِ المُتَبَسِّمِ
غادرت المكان وصحبي في حال من الانبهار من هذه القدرات التصويرية البليغة للغةٍ رائعةٍ تعاني اليوم ما تُعاني جراءَ إصرار بعض أبنائها على هجرها بعد أن دمغُوها بعدم صلاحيتها لمواكبة العصر الجديد وعلومه، دون أن يُدركوا أن العيبَ والعقدةَ فيهم وليسَ في اللغة الراقية.
شهدت الإمارات بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية احتفاءً غيرَ عادي بلغتنا الجميلة، إلى جانب العديد من المبادرات الرسمية، التي تعبر عن مقدار اعتزازنا باللغة العربية، وعلى أرفع المستويات لأننا نتعامل معها باعتبارها رمزاً لهويتنا، أكد عليها دستور البلاد كونها اللغة الرسمية للدولة.
أعجبتني مبادرة بسيطة جميلة في الشارقة قامت بإشراك طلبة المدارس في حملة لكشف الأخطاء اللغوية على لوحات المحال والمؤسسات التجارية، لأنها مبادرة لامست جوهرَ المشكلة وحالةَ الغربة التي تعانيها «الجميلة» في بلادها، فالمشكلة في الشارع الذي يصر على التخاطب والتعامل بغير «العربية» في تعاملاته اليومية، وتطورَ الأمر لتصبح «الإنجليزية» لغةَ المراسلات الرسمية في بعض المؤسسات الخاصة التي بلغت بها الجرأة وضع بندٍ في عقودها ينص على اعتماد تفسير «النص الإنجليزي» في حال ظهور أي خلاف بشأن العقد بين الطرفين المتعاقدين، وهي- أي تلك المؤسسات- تعلم تمامَ العلم أنَّ اللغة المعتمدة في محاكمنا هي العربية، وفق الدستور وقوانين البلاد.
جمال تلك المبادرة البسيطة في الشارقة أنها ترسخ في أجيال الغد حبَّ «العربية» والغيرةَ عليها، وفي الوقت ذاته تُذكِّر الجمهورَ بضرورة احترام لغة البلاد والعناية بها عند وضع اللوحات التجارية الخاصة بالمحال، فهي ليست مجردَ واجهات لعمل تجاري، وإنما صورةٌ تعبر عن احترام صاحبها للمجتمع والبلد الذي يعيش فيه.
مناسبة اليوم العالمي للغة العربية سانحة لتذكير الجميع بمسؤولياته للاعتزاز والفخر برمز هويتنا والحفاظ عليها لتكون في مكانتُها الرفيعة الجديرة بـ«الجميلة».