يتمثل معيار السعادة، في القدرة على العمل والحب (فرويد). المتذمر لا يعمل، والساخط لا يستطيع أن يحب، ومن يقع تحت طائلة التذمر والسخط، ينكص إلى مرحلة طفولية باكرة، وكما نعلم أن الطفل الرضيع، لا يستطيع كسب طعامه إلا من خلال الأم المرضعة، التي تقوم بدور الإرادة التي تحقق للفرد كسب لقمة العيش بطاقته الفردية وعزيمته الذاتية.
في الواقع الاجتماعي، هناك أشخاص مثقلون بمشاعر التقاعس والخمول، كما هي الأرض اليباب. أشخاص لا تجد على وجوههم غير أخاديد الاكفهرار، ولا تسمع منهم سوى لغة (حظي عاثر)، هؤلاء ممتلئون باليأس مثل الآبار الجافة، مثل البيوت المهجورة، هؤلاء يشكلون عبئاً على المجتمع، وحملاً ثقيلاً على من يقتربون منهم، إنهم يفوحون برائحة الموت، هم أموات تأخر دفنهم، ومشاعرهم تجاه الواقع مثل نشارة الخشب، لا ندى فيها ولا حياة، هؤلاء يذهبون إلى الحياة بسمات بلون الأكفان، يذهبون إلى الوجود بعيون غشيها ضباب اليأس، فلا يَرَوْن في الحياة غير قماشة رثة لا تصلح للاستعمال الآدمي. ولو تخيلنا أن مجتمعاً يقطنه أمثال هؤلاء، فلنتأكد أن دورته الدموية سوف تتوقف عن التدفق، سوف تصبح المدن مثل أصلاب جامدة لا حراك فيها، سوف تتلون الحياة بغبار ما بعد الهزائم التاريخية، التي تصيب الأمم بعد حروب فاشلة.
السعادة تحتاج إلى أفراد يعبق وجدانهم بعطر الورود، ولون أجنحة الفراشات الذاهبة إلى الحقل، بفرح النمو والارتقاء، السعادة مثل السماء، يضيئها نور القمر ببهاء البهجة، فترقص في الصدر، وتغرد طيورها جذلانة نشوانة، السعادة طريق، إذا صاحبت ضجيج التعساء، أصبحت كئيبة لا تصلح لمعاش البشر، ولا إلى سعيهم وحلّهم وترحالهم، السعادة مثل ابتسامة امرأة جميلة إذا لم تروَ بنبل التعاطي، تتحول إلى تقطيبة تزلزل أقطاب الوجود، وتملأ الكون بعاصفة رملية، تؤذي العيون وتسئم الأفئدة.
السعادة مثل الوردة لا تحتمل اللمسات الخشنة، ولا الأنفاس الساخنة، السعادة لا تزور القلوب الوعرة، مثلها مثل الأقدام الناعمة، إنها في المجمل كائن أرق من عيني غزالة، وأشف من الماء الزلال، وأعذب من نقاء طفل غرير، إنها حلم الإنسان العفوي، بنهار لا تغشيه عتمة الغيمة السوداء، ولا وجه تغزوه أحافير أزمنة ما قبل الضوء الشمسي.