- أعجب من بعض الناس، كيف يقدرون أن يحولوا من أصدقائهم أعداء، وكأن ليس لديهم مهمة في الحياة سواء خسارة الأصدقاء، وربح أعداء كل يوم! - أعجب كيف لا يقدر الإنسان السير وحيداً في الدروب من دون أن يترك على جانبيها ضحايا لسانه وسطوته وشراسته، والضرر الذي لم يستطع أن يتخلص منه رغم عبرة الحياة، وما يبصرّك به العمر! - أعجب لمن لم يقدر أن يرسل لقلبك حبه في هذا الصباح، ساعة الصحو والتذكر وانتباه كل الأعضاء، فتتيقن أنك لن تحبه في المساء أكثر، ساعة الخدر، وتماهي الأمور، والظلمة التي تستر الأشياء! - أعجب لامرأة يضيق صدرها بمن تحب، كقطة برّية، ترضع طفلها رضعته الأخيرة قبل أن تفترسه خوفاً منه وعليه أو حباً فيه! - أعجب من تحول الصداقة في بلاد الغرب لتعاون قائم، واستقلال تام، وفِي بلاد الشرق إلى منفعة مستمرة، واستغلال دائم! - أعجب من ذلك العجوز الذي يمشي ويعد خطاه، يتخطاه المسرعون، والذين يدكّون الأرض بسنوات أقل، وهو لا يرفع بصره عن الأرض، وكأنه يستودعها آخر وصايا القدم الحافية لقبرها الأبدي! - أعجب من ذلك الرجل المنتفخ بالفرو، وجلود دببة الشمال البيضاء، يعتمر قبعة باهظة الثمن، توحي بأنه استغل عمله في حكومات فاسدة، وأنه اغتنى من سرقات لا يمكن كشفها، ولم يخف، لكن برد هذا اليوم يرّعد جسداً خاوياً، لولا تلك الفراء المسروقة، والمسلوخة بعد سيل دماء حيوانات لا يمكن قتلها بالمواجهة، وحدها الحيلة قادرة على القتل عن بعد! - أعجب لتلك الشجرة العارية التي تشبه سواد الحريق، كيف تحمل على أكتافها ثلجاً ظل يتساقط طوال الليل، وهي صامتة ببردها، وهجرانها، حيث لا أقدام تنتظر، ولا عشاق يمرون، لكنها منتظرة وقتها والشمس، لتعطي المكان، والناس العابرين أغصاناً خضراء من ظل، تغني للحياة! - أعجب لزوجين من الحمام، تناجيا، وأسرّا لبعضهما كلمات من حب، ثم طارا بحثاً عن دفء وستر، وعش، لا ترقبهما فيه عيون غذاؤها الفضول، بينما شاب وفتاة كان الشارع شبه المكتظ هو العش، بلا ستر ولا دفء! - أعجب لطفلة تلهو بالثلج، وتفرح بذلك الفضاء الأبيض الواسع، ولا تدري بالذي حولها، ولا يعنيها حينها، هل ثمة ذئب مر؟ أو ذاك الواقف أمامها يسدد عليها بعض النظر، من لصوص البنوك وأوراقها السرية أو أن تلك العجوز كان جسدها في صغرها خرائط ملونة لكثير من المهاجرين من بلدان الشقاء، وبحّارة متعبين من عبء المسافات.. وحدها وملائكتها يلهون في ذلك البياض الذي يشبه وجه المحبة.. وطعم البشارة!