الأمم ترقى بلغتها وتشقى بغيها ولا يمكن لحضارة أن تنمو وتستمر من دون جناح شفاف ومتعافٍ، يحمل جسدها إلى الأفق لتبقى رشيقة أنيقة تؤكد وجودها بحضورها في المشهد الإنساني من دون إقصاء أو إلغاء ومن الإحساس بالدونية وعقد النقص.. اليوم نشهد من يمضغون لبان الكلمات الغريبة ويجترون مفردات أشبه بقطع الغيار التالفة، هؤلاء يستمرئون هذا اللغط ويمارسون هذا الغلط لأنهم فَقَدَوا بوصلة التوجيه من قبل جهات كان الأولى بها أن تضع كلمة اللغة العربية مثل الشراع في السفينة، مثل الجناح لدى الطير، مثل الشمس في السماء، مثل الموجة عند السواحل ولكن هذا لم يحصل في كثير من الأحيان، أما أن يتصدى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لهذه القضية الجوهرية في حياتنا، ويعلن تأسيس مجمع اللغة العربية في الشارقة لهو المصباح الذي يدعنا نذهب إلى الأعلى من دون كبوات، نذهب إلى الأفق من دون عثرات. هذه هي ملحمة الإمارات الثرية بالمعاني التي تجعلنا نغلق الجفون على صور بلاغية بديعة، يرسمها عشاق الحياة ويفتح أعيننا على مشهد مضاء بأفكار نيرة، خيرة، ثرية بالمعاني، غنية بشيم الرجال الكرماء.. مجمع اللغة العربية، مفتاح الحلم، ونافذة على هوية لغة هي في صلب الكون من أهم مفردات الحضارة البشرية. لم يبلغ سقراط وأفلاطون وأرسطو بلوغ الشمس في معرفة الكون وإشكالاته إلا بلغة الأم، لغة الوطن اللاتيني الذي أعطى للفلسفة رائحة الزنجبيل ولون الزعفران، ومضت هذه الفلسفة محملة بلغة مشبعة بالحياة، مفعمة بالحب إلى وجود كان واجب الحضور أن يتم البحث فيه للعثور على نبتة المعرفة الحقيقية.. مجمع اللغة العربية في الشارقة هو الشامة والعلامة والقوامة، وهو المسافة الواسعة التي سوف تفصل جيل كامل عن الركاكة وعن الاستخفاف والاستهانة بلغة شغلت الدنيا في عصورها الزاهية، وأبدعت في رسم صورة الحضارة الناهضة، وهي في النهاية لغة القرآن.. والرسالة الإسلامية الإنسانية، التي حلقت في سماوات الكون لأجل إضاءته ومطاردة الجهل أينما كان رحل. والإمارات اليوم أصبحت محفلاً حضارياً تهفو إليه القلوب وتصبو إليه العقول، والاهتمام باللغة الأم غاية ووسيلة لتكريس هوية، منبعها اللغة ورافدها إنسان ينتمي إلى هذه اللغة لكونها لسانه وبيانه ونباته وبنيانه، ولكونها صونه وشجنه وفنه وحضنه وحصنه وسكنه.. لغة الشعر والفكر وحسن الصور ومذاق الكلمات التي تشبه وجه القمر.. لغتنا هي بحرنا ونهرنا وعشقنا وشوقنا وحديقتنا الغناء التي تحدق فيها طيورنا نحو العلا ونجومية التميز والتفوق والاستثنائية.