لا تكن في قبر الموت، بل فكر في الحياة، فكر في البقاء فرحاً وسعيداً، ستجد يومك مثل سحابة ممطرة، ستجد حياتك مثل موجة تغسل الشواطئ من طحالب اليوم الفائت. المتشائمون ومثلهم الذين يستعجلون السقوط في حفر النهايات، المحبطون مثل عجلات مركبة قديمة، تسير في الطريق متأرجحة، وقد تعيق مسيرتها صخرة صغيرة بحجم حبة الفول. عندما تكون صاحياً، لن يغلبك نعاس القنوط، ولن تتلكأ في طريقك إلى الحياة، فقط كن في اليقظة، وسوف تهزم ذلك الأنا المتخاذل، وتكون في قلب المشهد الإنساني من دون تصادم مع الموت، ومن دون انتهاك لحرمة الحياة وجمالها وعطرها الأخاذ. عندما تفكر في الحياة مثلما تفكر في الحبيب، فإنك لن ترى سواه، سيكون هو الحضور الأبدي، وتكون أنت الحاضر في قلب الحياة. فكر في الحياة ستجدها ناصعة مثل عيني الطير، متألقة مثل النجمة، متأنقة مثل غزالة في بحر غابة مغسولة بالاخضرار، لا شيء يعيق الحياة إلا التفكير بغيرها، هي هكذا كالمرأة لا تريد الرديفة، ولا تتواءم مع المتناقضات، الحياة هي من وحي التفرد والاستثناء، الذين يفكرون بالموت، هم أموات، جاؤوا إلى الحياة مصادفة أو بالطريق الخطأ، هم متورطون بالهواجس والوساوس، هم منغمسون في القاع المدلهم، هم غائصون في المستنقع، وهم بلا هوية، ولكي تكون حياً نابضاً، لابد وأن تحمل في معطف القلب هوية الفرح، هو الإكسير الذي يعيد لك التوازن، هو المضاد الذي يكبح جماح الانحطاط الروحي. فكر في الحياة، فسوف تجد نفسك تسبح في المحيط، يكون المحيط قاربك الذي يحملك إلى شغاف النجوم، وهناك سوف تستشف معنى البريق، وسوف تفهم أن الحياة هي فكرة لاغير، وأن كلمة أنت بالفكرة المتفائلة تستطيع أن تغير الكلمات وتحولها إلى عبارة ذات دلالة ومعنى، وأنت وحدك ولا غيرك، تستطيع أن تزيح الهاجس ليحل مكانه الحلم الجميل، تنمو أنت من خلاله مثل النخلة، تتفرع إلى أغصان وأفنان وفن رهيف، أرهف من قد امرأة هيفاء. فكر في الحياة، واحبب نفسك، وانظر إلى المرآة وأنت مبتسم، ستجد وجه الحياة مغتسلاً بالماء البرد، وستجد كل من حولك يبتسم، وسوف تجد في جناح الطير طائرة عملاقة، تنقلك إلى عوالم بعيدة وزاهية ومزدهرة بالجمال. عندما تكون أنت صافياً، الحياة مثل النهر، تغسل تربتها من مائها، ولا حاجة لتدخل أياد أخرى. عندما تكون منسجماً مع نفسك، فلن يعكر مزاجك مدير نكد، ولن يزعجك في الطريق سائق مركبة متهور، فعندما تكون مخلخلاً في داخلك، تكون مهيئاً لاستقبال كل ما يكدر، بل تكون أنت المكدر للآخر، أنت الذاهب إلى فنائك، أنت المحتضن لموتك.