منذ وقت ومجتمعات الشعوب مفتونة بأيقونات التواصل الاجتماعي، تلك التي أصبحت جسوراً يومية تمرر سحرها عبر المشاعر الإنسانية، سمات رقمية متوهجة، باتت تحمل صفات التعبير والحوار، لربما لا ترى الطرف الآخر في التواصل إلا من خلال صفاته و«مواصفه»، لكن ثورة التعامل الحديث تحيل المرء والآخر إلى حالة، فلا تظهر صفاتهم الحقيقية لشهور أو تمتد لسنوات، تعامل تقني ينم عن رسائل يومية تجسد صوراً ورسائل ومعلومات، ربما تتجدد تلك عبر منظومة التواصل بشكل ممل، أو ربما تفد من مصادر مختلفة مئات الأيقونات ما بين مبتسم وضاحك، وما بين حزين وكئيب، ولكن في الحقيقة هي مجرد أيقونات لا جزم لها لتعبر عن المشاعر الإنسانية الحقيقية، هي مجرد رموز اتخذت ورسمت عالماً من الهيمنة الفكرية والثقافية، فلا دلالة موثوقة بأن المرسل هو فعلاً ضاحك أو عابس أو تحرك قليلاً أو كثيراً، إذن هي دلالات ضمن عالم من الكتمان النفسي أو الخصوصية المفرطة. ما يلفت أن البشر المتقاربين في المكان والزمان نفسهما باتوا لا تجمعهم سوى تلك الأيقونات الإلكترونية التي ارتضوها قاسماً يحول عن اللقاء، ما يوحي بزمن هشاشة القيم الإنسانية، وما جنى البشر من عالم افتراضي أصبح يعم المكان والزمان، عالم ينسج أبعاد الوقت والأعراف من خلال شريحة صغيرة لا أكثر، فالقيم الإنسانية مهما كانت حصيلتها الإيجابية من هذه التقنيات، إلا أنها باتت حصيلة تتناثر أو تتساقط من عقدها. بالتأكيد أنها أيقونات باتت تشكل إقصاء للمسافات البعيدة بهذا التواصل الزمني السريع، وبالتأكيد رفعت من ثقافة الشعوب في التعامل مع التقنية، أي إيجابيات أثمرت، وأي سلبيات توجت المجتمعات بوابل من العزلة والبعد الاجتماعي الذي تتسع دائرته ما بين أطياف المجتمع. ومن إفرازات هذا التوهج التقني، أنه أظهر أبطالاً واهين، طرزوا وجودهم الاجتماعي، وأصبح لهم وجود واتباع، بل بعض من المؤسسات أصبحت تسوق نفسها عبره، لكونه وسيلة مؤثرة في شريحة كبيرة من المجتمع. ففي هذا السياق، يختصر الزمن المسافة، وتتباعد في آن واحد، وتجيز هذه التقنية ردم الحواجز، وتؤثر الحواجز غير المرئية، وهي حواجز مبتكرة ووراءها شخصيات حقيقية أو وهمية أو مخترقة للخصوصية أو هي غير ذلك، وهي بناء حقيقي بين الأصدقاء المتلازمين أو المتنافرين، إذن هي أيقونات من التناقض المجتمعي والفكري والثقافي، إلا أن الكل يتوق لها في سياق التواصل الثقافي وأبعاده الحرة. Hareb.AlDhaheri@alittihad.ae