الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الإماراتيون.. صناعة الريادة الإبداعية

الإماراتيون.. صناعة الريادة الإبداعية
29 نوفمبر 2018 02:25

علي العبدان

قام اتحاد دولة الإمارات على نظرةٍ ثاقبةٍ تجاه المستقبل، فانصهرت في هذه النظرة جميعُ الآداب والفنون الشعبية في الإمارات، وكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان باني الاتحاد طيب الله ثراه هو القائد الرمز في هذا السياق، فقد شجعَ الفنون والآداب منذ البدايات لتكون قوةً غير عادية في سبيل رفعة الوطن وتحقيق نهضته، وإن ما ينعم به اليوم مجتمع الإمارات خاصة الفنانين والأدباء من المستوى الرفيع المتقدم في إنتاج الأعمال الفنية والأدبية حد الريادة والتميز قد جاء من تلك النظرة الثاقبة التي تميز بها الأب القائد.
في اجتماع أدبي مشهور أوضحَ الشيخ زايد «طيب الله ثراه» قوة الوشائج الرابطة بين الشعر الشعبي والشعر الفصيح حين شبّههما بنهريْن يصبان في وادٍ واحد، هو وادي المعاني العربية الأصيلة الكبير، ولم يكن هذا مجرد تنظيرٍ أدبيّ، بل كان مجلسُ الشيخ زايد الأدبي عامراً بكلا النوعيْن من شعر العرب، وكان «طيب الله ثراه» يستمع إلى كل ذلك استماع المتذوق الأديب، ومع تذوقهِ لأشعار المتنبي وحاتم الطائي وغيرهما من كبار شعراء العرب كان يتذوق الأشعارَ الشعبية تذوقَ الناقد الخبير بأوزانها ومَراميها، فالشعر الشعبي تجاوز الفصيحَ في بحثهِ عن أوزانٍ جديدةٍ لها قِيَمٌ جَماليّة جديدة، ولا غرابة في هذا، فالشيخ زايد كان شاعراً مبدعاً، يرسمُ أجملَ لوحاتِ الطبيعة، كما في قوله

يعلّ نوٍّ بانت امزونه
يسقي الظفره ويروّيها
لين يزخر عشب بينونه
والغزر تسقي سواقيها

ومن أجل هذا شهدت الإمارات منذ قيام الاتحاد الميمون طبع ونشر مئات الدواوين لمئات الشعراء الشعبيين وكذلك شعراء الفصحى من الإمارات بأمرٍ من الشيخ زايد، الشيخ الأديب الشاعر، ولم يقتصر النشر على ذلك، بل شملَ مجالاتٍ أخرى رآها الشيخ حيويّة وجديرةً بدفع المواطنين إلى فهم هويّتهم ليتمكنوا من الانطلاق بها إلى مستقبلهم، فخرجت مئاتُ الكتب في التراث الإماراتي، والأدب الشعبي، والثقافة العامة، وتاريخ الإمارات، ودراسات في اللهجةِ الإماراتية، ما يؤكدُ مقولته الشهيرة العظيمة: «مَن لا يعرف ماضيَه لن يعرفَ حاضرَهُ ولا مستقبلَه»، ومن أجل المستقبل أقيم معرض أول معرض للكتاب في المجمع الثقافي في أبوظبي عام 1980، ومن أجل ذلك أيضاً كان الشيخ زايد يحرص على حضور المهرجانات والأمسيات الأدبية والأعمال المسرحية والغنائية الوطنية لما في ذلك من تشجيع التطلع إلى مستقبلٍ زاهرٍ ومتميز، فقد كان «طيب الله ثراه» يريد الريادة والتميز عنواناً للدولة، وواجباً وطنياً على الجميع، وفي هذا السياق أيضاً جاءت زياراته إلى المعارض الفنية سواء في الأنشطة المدرسية أم خارجها تشجيعاً للرسامين والخطاطين الإماراتيين بما يأخذ بأيديهم نحو تجويد العمل الفني، وإنتاجهِ بما يتوافق وحاضر المشهد الثقافي ومستقبله كذلك، ففي إحدى الزيارات مثلاً شجّع الشيخ زايد بعضَ الفنانين الشباب، وسألهم ما إذا كان بإمكانهم أن يرسموا لوحاتهم بأفضل مما هي عليه، ولم يكن سؤالهُ سؤالَ المستعلم، بل كان سؤاله سؤالَ الأب لأبنائه تحفيزاً لطاقاتهم، وقال لبعضهم في ذلك المعرض الشبابي: «في المعرض القادم اعتن بلوحاتك جيداً كي نقوم باقتنائها».
إن تربية الذوق الأدبي والفني ليست مهمة سهلة، ولعل الكثيرين لم يروا الشيخ زايد طيب الله ثراه كيف يجلس في مجالس الأدب والذوق الرفيع ونصوص الشعر الفصيح والشعبي لكبار الشعراء من الجانبين تتلى وتُنشد في حضرته، وهو منصتٌ إليها إنصاتَ الأديب الأريب المتبحّر في معانيها ومَراميها، وهذا الذي كان منعكساً على شخصيته الإبداعية، ومن ذلك مطالعُ قصائده وردوده على الشعراء، ورنين الألفاظ وجرسها الجميل في شعره، فكل هذا كان ينسجُ رؤية الشيخ زايد لمستقبل الإبداع في الإمارات، إذ المبدعُ الحقيقي يُحب الجمالَ للناس كما يُحبه لنفسه، وهو المؤمنُ بأن الله جميلٌ يُحب الجمال، ولكن كيف كانت النتيجة بعد سبعةٍ وأربعين عاماً؟

ريادة وتميز وتخصص
لن ينسَ الناسُ آفاقَ الريادة الفنية والأدبية المتميزة في الإمارات التي أصبحت مَثارَ حديث الكثيرين، وإنجازاتها تشهد بذلك لأنها واقعٌ ملموس، والواقع خير برهان، فها هي معارضُ الكتب بأنواعها تنتشرُ فيها، بما في ذلك أهم معرضين إقليمياً وعربياً، وهما معرض الشارقة ومعرض أبوظبي الدوليين للكتاب، وها هي المكتبات الضخمة العامة والخاصة التي أضحت جناتِ القارئين والباحثين، وها هي جوائز الشعر بنوعيه، الفصيح والشعبي مثل «أمير الشعراء»، و«شاعر المليون»، وجوائز الشارقة للشعر العربي والشعبي، وجوائز الرواية والأدب القصصي تشهد على قدرةٍ متميزةٍ لبعث وإحياء ورفد الإبداع الأدبي العربي، ودفعه إلى المعاصرة عبر منافسةٍ شريفةٍ قائمةٍ على التذوق الأدبي المعاصر انطلاقاً من الأصول الأدبية العربية العريقة التي تقبل التأثر بالذوق الرفيع المتجدد، وها هي مهرجانات المسرح في الإمارات تُعنى به بصورةٍ تخصصية، فهناك مهرجانات ومسابقات وجوائز للأعمال المسرحية عامة، ومهرجانات مسرحية لفئة الشباب خاصة، ولمسرح «المونودراما»، ولمسرح الطفل، وهناك أيضاً الريادة في الفنون الجميلة المعاصرة، متمثلة في «فن أبوظبي»، و«آرت دبي»، و«بينالي الشارقة للفنون»، ووجود متاحف الفنون، كمتحف الشارقة للفنون، ومتحف «اللوفر»، ومتحف «غوغنهايم»، والمؤسسات الفنية الكبرى، كمؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان، ومؤسسة الشارقة للفنون، ومنارة السعديات الثقافية، ومؤسسة «تشكيل» في دبي، وغيرها، الأمر الذي شجع عشرات الصالات الفنية التجارية لمزاولة أعمال العرض وتسهيل اقتناء الأعمال الفنية في الإمارات وتوقيع اتفاقيات التعاون مع الفنانين الإماراتيين وغيرهم، وتوج هذه الجهود افتتاح أفرع إقليمية لمؤسسات عريقة في مزادات التحف وبيع الأعمال الفنية مثل «كريستيز»، و«بونام»، وغيرهما، هذا بالإضافة إلى ازدياد التذوق الموسيقي الراقي، سواء منه العربي أم العالمي، وقد شهدت العاصمة المتألقة أبوظبي حفلاتٍ لعشرات الفرق الموسيقية الأوركسترالية العالمية، وأُنشئ فيها «بيت العود العربي» الذي يُشرف عليه الموسيقي العربي الفنان نصير شمه، وهناك مهرجان الشارقة العالمي للموسيقى، ووجد الموسيقيون الإماراتيون الألق الفني البديع يعود إلى الغناء مع تجديد وتطوير موسيقى الأغاني الإماراتية الشعبية ذات القِيَم الأدبية والفنية الأصيلة، وممن قام ببعض الجهود في هذا المجال الفنان الإماراتي فيصل الساري، ولم تكتفِ الإماراتُ بعرض إبداعات أبنائها وبناتها في وطنهم، بل شجعت قياداتُ الدولة مواطنيها المبدعين، كلٌ في مجالهِ على المشاركة في المعارض والفعاليات والمهرجانات العالمية، فالعلم الإماراتي يستحق أن يرتفعَ فوقَ كل منصةٍ إبداعيةٍ عالمية، فالريادةُ في الإبداع بالنسبة إلى الإماراتيين ليست مجرد كلمة حفظوها ورددوها، بل هم يصنعونها صنعاً في صباح كل يوم ومسائه، وهم لا يكادون يعرفون الإبداع إلا واقعاً ناجزاً يقدمونه إلى الآخرين.

الحلقة الأهم
والأمرُ الأهم من كل هذا، بل الأمر الذي كان قاعدةً ثقافية لتقبل القِيَم الجَمالية في الفنون والآداب سابقة الذكر هو التراث الشعبي الإماراتي، وهو الأمرُ الذي كان حقاً يُعَد الأهم لدى القائد المؤسس الشيخ زايد طيب الله ثراه، فهذا التراث لم يجمد على حاله، بل كانت قيمه الأصيلة تواكبُ وتُجاري تطورات العصر ومتطلباته، لتؤكد أن التراثَ ليس تحفة توضع للزينة، بل هو حياةٌ بكاملها، والحياةُ لا تقبل التوقف أبداً، وإلا لم تعد حياة، فهذا التراث بفضل حيويّته ومرونته استفاد كثيراً من تطبيق وسائل العصر الراهن، وتمكن في زمن قياسي من لمّ شمل المعارف والتقاليد العريقة، لا لحفظها من الزوال والاندثار، بل لاستخدامها في الحياة اليومية، فأبناء زايد – كما أخبرَ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يعلمون أنهم لا يمثلون أنفسهم فقط، بل يُمثلون دولتهم، ومجتمعهم كاملاً بتقاليده وأعرافه وثقافته الكريمة الأصيلة، ولذلك كانت المهرجانات التراثية الضخمة في عموم الإمارات، والإقبال الكبير عليها، لا من مواطني الدولة فقط، بل من كل مقيمٍ أحب هذه الأرض وقادتها وشعبها والمبادئ التي تجمعهم من أجل تحقيق هدفهم الكبير، ألا هو الريادة المتميزة.

قيم زايد
«عام زايد» عام خيرٍ عميمٍ على الجميع، ليس الخيرَ الماديَّ بالضرورة، بل لا ينبغي أن يقتصر الأمرُ عليه، فقد أرشدنا أبونا زايد «طيب الله ثراه» إلى أن الخيرَ يكمنُ في تمني الخير للآخرين، والتسامح معهم، وتفهم حاجاتهم والعمل على تلبيتها تحقيقاً لسعادتهم وتوفيراً لحياةٍ كريمةٍ لهم، كما أمر الله سبحانه بذلك، فهذه هي الثقافة الأصيلة، هذه هي الثقافة في معناها الإنساني الشامل والمطلق، هذه هي ثقافة مؤسس دولة الإمارات وباني اتحادها، ذلك الاتحاد الذي قام على هذه المعاني ورسّخها في دولة الإمارات، وما أدراك ما الاتحاد! في مارس عام 1979 قال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» وهو يخاطب جمهور المواطنين: «إن الاتحاد يعيش في نفسي، وفي قلبي، وهو أعز ما في وجودي، ولا يمكن أن أتصور في يوم من الأيام أن أسمح بالتفريط فيه، أو بالتهاون نحو مستقبله».

علامات
معرض الشارقة ومعرض أبوظبي الدوليان للكتاب، والمكتبات الضخمة العامة والخاصة، وجوائز الشعر بنوعيه؛ الفصيح والشعبي مثل «أمير الشعراء» و«شاعر المليون»، وجوائز الشارقة للشعر العربي والشعبي، وجوائز الرواية والأدب القصصي، ومهرجانات المسرح المتنوعة، والريادة في الفنون الجميلة المعاصرة، متمثلة في «فن أبوظبي» و«آرت دبي» و«بينالي الشارقة للفنون»، ووجود متاحف الفنون، كمتحف «اللوفر أبوظبي» و«غوغنهايم» ومتحف الشارقة للفنون، والمؤسسات الفنية الكبرى؛ كمؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان، ومؤسسة الشارقة للفنون، ومنارة السعديات الثقافية، ومؤسسة «تشكيل» كلها علامات على النهضة الثقافية التي تشهدها الدولة.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©