الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

أحلام المال العاجل تتحول إلى ديون وسجون.. في معارض السيارات

أحلام المال العاجل تتحول إلى ديون وسجون.. في معارض السيارات
25 نوفمبر 2018 03:04

يوسف العربي، حاتم فاروق، ناصر الجابري (أبوظبي ودبي)

أراد «أبو محمد» حلاً لمعضلته، بعد أن بات ملزماً بسداد دَيْن حل أجله، ونظراً لاستقطاع 50 في المائة من راتبه شهرياً، لم يجد سوى أن يدخل دوامة لا تنتهي بين معارض السيارات، يشتري سيارة ويبيع أخرى، والفوائد تتراكم عليه هنا وهناك، جراء عملية تُعرف في دول مجاورة بـ«الحرق»، ومع سرعة تضاعف الدَّيْن، بدا أبو محمد وكأنه ينتحر.
القصة ببساطة، التي تتكرر بين كثيرين، أن «أبو محمد»، حل عليه دَيْن قيمته 70 ألف درهم، عليه سدادها فوراً، ولما لجأ إلى البنوك، طالباً قرضاً، جاءه الرد الموحد: «راتبك لا يسمح»، فبدأ بسؤال أصدقائه عن وسيلة للخروج من المأزق، فأشار عليه أحدهم بفكرة تبدو بسيطة: توجه لشراء سيارة من أحد معارض السيارات، بضمان سدادها بعد 3 أو 6 أشهر، وخلال هذه الفترة بإمكانك أن تبيعها لمعرض آخر لتحصل على المال فوراً، وهكذا بدأت «الدوامة».
وفعلاً، توجه «أبو محمد»، إلى معرض للسيارات، وقام بشراء سيارة بقيمة 100 ألف درهم، موقعاً على شيك يضمن سداده للمبلغ بعد 3 أشهر بفائدة للمعرض تصل قيمتها 30%، ثم ذهب إلى معرض آخر، وقام ببيع السيارة لهم، حصل على المال المطلوب، ولكن مع اقتراب مهلة السداد لمبلغ السيارة الأولى، وجد نفسه محتاجاً إلى مبلغ مادي يمكنه من ذلك، والسيولة غير متوافرة فكان الحل الأسرع والأسهل العودة لشراء سيارة أخرى من معرض آخر، وبيعها مرة أخرى لسداد قيمة السيارة الأولى، ومن ثم العودة مرة ثالثة لشراء سيارة أخرى وبيعها لسداد قيمة السيارة الثانية، وهكذا.. حتى وصل المبلغ إلى أكثر من مليون درهم.
نقلت «الاتحاد» قصة «أبو محمد» إلى أصحاب معارض السيارات المستعملة، الذين شددوا بدورهم على رفض أي ممارسات غير نزيهة يقوم بها حفنة من التجار ممن يسعى إلى استغلال حاجة البعض، لاسيما الشباب، إلى سيولة نقدية عاجلة وابتياعهم بضائع قابلة للتداول السريع بنظام الدفع الآجل وبأسعار مبالغ فيها في عملية تعرف مجازاً باسم «حرق البضائع».
وأوضحوا أن هذه الممارسات «الانحرافية الاستثنائية» لا تقتصر على قطاع السيارات المستعملة وحسب، بل هي موجودة، ولكن بشكل محدود أيضاً في شتى القطاعات التجارية التي تركز على تداول السلع والبضائع القيمة سهلة التداول مثل الذهب، والحديد، والألمونيوم وغيرها.
وقال دريد عبدالرحمن صاحب معرض سيارات مستعملة في سوق العوير، إن أكثر من 99% من تجار السيارات المستعملة ينأون بأنفسهم عن الكثير من الممارسات غير السليمة المتعلقة بتوفير تمويلات سريعة للبعض، لاسيما من الشباب الذين تغلب عليهم الحماسة للحصول على هذه السيولة بغض النظر عن العواقب الوخيمة.
وكشف عن وجود طرق ملتوية عدة يندفع إليها بعض الشباب الباحثين عن سيولة عاجلة بالتواطؤ مع قلة منحرفة من التجار في عملية تعرف باسم «حرق البضائع»، وتتمثل الطريقة الأولى في قيام الباحث عن السيولة العاجلة بشراء سيارة مستعملة أو جديدة أو كمية من الحديد، أو الألمونيوم، بنظام الدفع الآجل، بحيث يقوم بسداد الثمن على دفعات شهرية أو فصلية كل 3 أشهر بموجب شيكات بنكية موقعة أو عبر دفعة آجلة واحدة تسدد بعد 12 شهراً، وذلك حسب الاتفاق مع التاجر.
ووفق هذه الطريقة، يقوم المشتري بتسلم السيارة ومن ثم بيعها إلى معرض سيارات آخر إما بالسعر نفسه، وهو أمر نادر الحدوث، أو بخسارة تتراوح نسبتها بين 20% و50%، ليحصل بذلك على ثمنها نقداً بشكل فوري.
واعتبر أن الطريقة المشار إليها هي الأكثر انحرافاً، حيث إن المشتري الباحث عن السيولة العاجلة يخسر أكثر من مرة، بدءاً من شراء البضاعة أو السيارة بأسعار مبالغ فيها من التاجر الأول، إلى تحميل نسبة فوائد عن السداد الآجل، وصولاً إلى بيع البضاعة نفسها بأسعار بخسة.
بدوره، قال أحمد النشواتي، مدير عام معرض «كاريكا»، إن الأصل في التجارة هو البيع والشراء الراجح الذي يحقق فيه التاجر نسبة معقولة من الربح، بما يحفظ سمعته، ويروج لتجارته من دون استغلال للمشتري، سواء بالمبالغة الشديدة في الأسعار أم من خلال أساليب تجارية ملتوية تضر بجميع الأطراف.
ورأى النشواتي أن هذه الممارسات نادرة للغاية، مشيراً إلى أن عمليات البيع والشراء تتم بشكل اعتيادي، باتباع الممارسات السليمة بعيداً عن حرق البضائع أو الأسعار.
من جانبه، أوضح عاصم محفوظ، تاجر سيارات، أن هذه الممارسات الانحرافية استثنائية ونادرة الحدوث، لكنها موجودة بالفعل، مشيراً إلى أن أبرز الطرق الملتوية لتوفير تمويلات نقدية تحت ستار تجارة السيارات هي تواطؤ التاجر والمشتري للتلاعب في القمة التقديرية للسيارة.
وأوضح أنه في هذه الحالة يقوم الباحث عن سيولة النقدية بشراء سيارة معيبة من تاجر السيارات، على أن يكون العطب بالسيارة غير ظاهر ومن الممكن أن يكون سعر السيارة في هذه الحالة 30 ألف درهم على سبيل المثال، ومن ثم يتقدم المشتري إلى البنك الممول بعرض سعر مضاعف يصل على 80 ألف درهم بما يتوافق مع تقييمات السوق للسيارات السليمة من هذا الطراز.
وأضاف أنه مع حصول التاجر على ثمن السيارة من البنك الممول يقوم برد فارق السعر، وهو في الحالة المشار إليها 50 ألف إلى المشتري في عملية يتم فيها خداع البنك الممول.
وأشار زياد أبو خضرة، مدير معرض «كواترو» إلى أنه من النادر أن يقدم تاجر السيارات على بيع بضاعته بنظام الدفع الآجل من دون أن يحصل المشتري على تمويل بنكي، حيث ينضوي الأمر على مخاطرة كبيرة.
ولفت إلى أن الطريقة الثانية المتعلقة بمحاولة الاستفادة من فروق التمويل عبر تقديم عروض سعرية مبالغ فيها للبنك الممول تعرض التاجر لخسارة ثقة البنك إلى الأبد.
وأشار إلى أن معرضه والغالبية العظمى من معارض السيارات في سوق العوير ترفض على نحو صارم مثل هذه الممارسات غير الشريفة التي تضر بالبائع والمشتري على حد سواء.
ورغم إجماع كل من التقتهم «الاتحاد» على رفض هذه الممارسات، إلا أنها تحدث، وهو ما يدفع إلى المطالبة بتشديد الرقابة على هذه المحال خوفاً من استفحال الظاهرة مع ارتفاع الأسعار والتكاليف المعيشية.
وطالب خبراء بضرورة مواجهة تلك الظاهرة المتفاقمة من خلال قيام الدوائر الاقتصادية والبلديات وإدارة حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد المسؤولة عن عمل وترخيص معارض السيارات، بإصدار قرار تنظيمي يمنع بيع السيارة المباعة بالآجل، من خلال الشيكات حتى سداد كامل قيمتها من خلال الرهن لصالح المعرض أسوة بما يتم العمل به بين الوكالات المعتمدة والبنوك عند شراء السيارات الجديدة التي تظل مرهونة للبنك حتى سداد كامل قيمتها.
وقال رضا مسلم مدير عام شركة «تروث» للاستشارات الاقتصادية، إن تجاهل الطرفين «المعارض - العملاء» تداعيات تلك الظاهرة على المدى البعيد، جعل الظاهرة تتفاقم من خلال تراكم الشيكات المرتدة التي تقود صاحبها إلى المساءلة القانونية بعد تكرار ارتداد الشيكات من البنوك.
وشدد على ضرورة إصدار قرار تنظيمي، من خلال الدوائر الاقتصادية والبلديات المسؤولة عن عمل وترخيص معارض السيارة يلزم تلك المعارض برهن السيارة المباعة بالأجل حتى سداد كامل قيمتها.
وأشار مسلم إلى أن القرار التنظيمي يلزم المتابعة الحثيثة من قبل دوائر حماية المستهلك سواء بوزارة الاقتصاد أو الدوائر المحلية للتأكد من تطبيقه بالشكل الأمثل حتى لا يقع العملاء في دوامة المواجهة مع البنوك التي تريد استرداد حقها، ومن ثم تلجأ إلى تحويل الشيكات المرتدة للمحاكم، وبالتالي يجد العميل نفسه مهدداً بالسجن.
واتفق وضاح الطه، الخبير الاقتصادي، مع سابقه، مؤكداً أن عملية بيع السيارة بالأجل من خلال المعارض لا بد أن تخضع للشروط نفسها التي تتم بين الوكالات المعتمدة والبنوك، بمعنى ضرورة مطالبة المعارض بالاستعلام الدقيق عن الوضع المالي والائتماني للعميل قبل إتمام عملية البيع بالآجل.
وأضاف الطه أن المعارض لجأت إلى تقديم تسهيلات في عمليات البيع دون النظر لوضع العميل الائتماني بغرض إتمام عملية البيع، ودون النظر لنتائج تعثر العميل في السداد، ليجد صاحب السيارة نفسه في مأزق حقيقي نتيجة تراكم المديونية وعدم قدرته على السداد في الأوقات المتفق عليها.
وطالب الطه بضرورة قيام دوائر حماية المستهلك في الدوائر المحلية بتكثيف الحملات التوعوية لتعريف عملاء قطاع السيارات بالمشاكل التي قد يتعرضون لها نتيجة اللجوء لمثل هذه النوعية من التمويلات العالية الخطورة نتيجة تحملهم لنسب ومعدلات فائدة تفوق قدرتهم على السداد خلال فترات زمنية طويلة.
«أبو محمد» مر بدوامة لم تنتهِ إلا بعد 3 سنوات، يشتري سيارة ويبيعها، وفي كل مرة ترتفع قيمة السيارة، ويزيد حجم السداد، حتى وصل عدد مرات شراء السيارات إلى 7 مرات خلال 3 سنوات، وارتفعت قيمة آخر سيارة اشتراها إلى مليون و250 ألف درهم، حينها لم ينقذه من أهوال هذه الدوامة المتلاطمة بين بيع وشراء وسداد لقيمة السيارات سوى الأهل، بعد أن وصل المبلغ إلى قيمة لا يستطيع سدادها.
يصف «أبومحمد» الموضوع بأنه «إدمان» و«باب تهلكة» لمستقبل الشخص، حيث لا يكمن الحل في شراء السيارة وبيعها والقبول بفائدة مرتفعة، وتغطية الحاجة مؤقتاً عند الحاجة لمبلغ مادي، بل بالبحث عن حلول حقيقية تمكن الشخص من سداد متطلباته دون الوقوع في الدوامة.
وأشار إلى أن معارض السيارات «تتساهل» عند رغبة الشخص في شراء السيارة، حيث لا يتطلب الأمر سوى دقائق معدودة، يقوم خلالها الموظف بإنهاء المعاملة في حالة خلو الشخص من وجود أي قضية، وبالنظر إلى بطاقة الهوية والبيانات الشخصية، وهو ما يعد حافزاً لبعض الأشخاص لخوض هذا الأمر واللهاث وراء المغريات.

المشرع الإماراتي يجرم إعطاء «شيك» بسوء نية
جرم المشرع الإماراتي واقعة إعطاء صك «شيك» بسوء نية ليس له مقابل وفاء كافٍ قائم وقابل للسحب، وذلك بالمادة (401) من قانون العقوبات وتعديلاته، كما جرم استرداد مقابل الشيك كله أو بعضه بعد إعطاء الشيك، بحيث لا يفي المتبقي بقيمة الشيك أو أمر المسحوب عليه الشيك بعدم صرفه أو تعمد تحريره أو توقيعه بصورة تمنع من صرفه.
ووفقاً لنص المادة (401)، فإن الدعوى الجزائية في جريمة إعطاء صك بسوء نية تنقضي بالسداد أو تنازل المجني عليه بعد وقوع الجريمة وقبل الفصل فيها بحكم بات، أما إذا تم السداد أو التنازل بعد الإدانة بحكم بات فيقف تنفيذ الحكم.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©