يزخر العالم بقيم وشيم وحِكم، بفضل الديانات السماوية الثلاث، ولكن بقدرة من سامتهم النفوس الأمارة بأسوأ السياط حتى دقت النياط، أصبح العالم في مفترق طرق، وصارت المبادئ طرائق قدداً.. اليوم، من عاصمة الخير، من شعلة النشاط الثقافي، من بستان التسامح، تنطلق أشعة الديانات الإبراهيمية لأجل إعادة ما أهدره الحقد وترتيب البيت الإنساني ضمن وشائج الحب والالتزام الأخلاقي بما تمليه الكتب السماوية، ويزدهر به الضمير الإنساني الحي.. لقد عانت البشرية من ويلات التفرق والتمزق والتحرق والتدفق نحو طرقات وعرة ومسالك شائكة، ودفعت الشعوب أثماناً باهظة جراء هذه التشققات في جدران القيم والحضارة الإنسانية، مهددة بالانقراض والاندثار، إذا لم يستيقظ الوعي البشري ويصحو الضمير وتستعد الإنسانية لمستقبل مشرق يضيء طريق الأجيال بالأثمار بين الديانات الثلاث، وإزاحة الغبار والسعار، وإزالة الرواسب والخرائب ووضع حد للنفس الأمارة باستحضار الوعي دائماً بأهمية أن الالتقاء على كلمة سواء، ونبذ كل ما يسرق الحقائق، ويخطف الدقائق من عمر الإنسان، والنأي عن فكر الأوهام التاريخية والأحزان الزمنية التي صنعتها عقول مغرضة وانتهازية ووصولية، وحاكت نسيجها نفوس مريضة، أصيبت بدرن التقوقع والانزواء في مخابئ الخوف من الآخر. في أبوظبي، عاصمة التسامح العالمي، تنطلق هذه الومضة ليرى العالم من خلالها بمرآة لم يلحقها أذى التهشم ولم يصبها ألم الهجران.. وقد عهدت القيادة الرشيدة إلى ذوي الخبرة والإرادة والعزيمة والعلم الغزير، لكي يتصدوا لهذه المهمة التاريخية، ولكي يقوموا بدورهم الديني والإنساني، من أجل إعادة البناء ورفض الأهواء والأنواء والأرزاء، ووضع الدعوة الدينية في مكانها الصحيح، وبين أيدٍ أمينة رزينة رصينة، تصون العهد، وتبعد كل حاقد وحاسد ووغد، وصياغة مبادئ دعوية قويمة مستقيمة تجمع ولا تمنع، ترفع ولا تركع لمخادع، مخاتل، متحايل، متماثل للهوى والنوى. من العاصمة أبوظبي، من بلاد أعشبت بالحب، وأضاءت الدرب بخيوط من شعاع القلوب المستنيرة، انطلق البوح السليم لعالم بلا حدود دينية ولا سدود دنيوية، والهوية واحدة، أننا كلنا بشر من صنع رب خلق الناس جميعاً كي يعمروا ولا يدمروا، ويقبلوا ولا يدبروا، ويسهروا على بناء الصرح البشري، من طين الحياة السعيدة، ومن رمل الألفة والمحبة والتسامح والالتئام والانسجام، فقد خلق الله تعالى الناس ليتعارفوا ويذهبوا نحو الأفق بقلوب صافية وعقول متعافية وصدور ملؤها الإيمان بأن الله واحد، رب الجميع، خلقهم ليتعاونوا على البر والتقوى، واتقاء الشرور، والابتعاد عن الأنانية وتضخم الذات. من هنا، من هذا المكان الطاهر، تفرد السفينة أشرعة السفر نحو العالم، نحو الناس جميعاً.