يتوجه الكثير من الروائيين والنقاد العرب، في هذه الفترة، إلى رام الله لحضور مؤتمر للرواية تستضيفه فلسطين لأول مرة. وأقول: لماذا يهتم الفلسطينيون الآن بتنظيم مؤتمر عن الرواية على الرغم من صعوبات التنظيم في ظل اشتراطات الاحتلال وقيوده. أتابع يوميات الأصدقاء المشاركين عبر الفيسبوك، تتحدث الكاتبة المصرية منى الشيمي عن الانتظار عشر ساعات على المعابر وتقول: «اليوم رأيت الاحتلال، تعنت الإسرائيليين، صمود أهلنا في فلسطين». وتحكي عن أريحا وبيوتها الحجرية الجميلة، فيما تدمع عينا الكاتب الأردني محمود الريماوي حال مروره بأريحا مسقط روحه الأول، يرسل خالد الحروب تحياته من شاطئ رام الله وتصل التحيات معطرة بعبق فلسطين البعيدة. تظهر أصوات معترضة على المشاركة بحجة أنها تطبيع، أتذكر ما كانت تحكيه «أنوار الأنوار» الكاتبة الفلسطينية من عرب 48 عن المعاناة اليومية في التعامل مع الإسرائيلي، وأقول لنفسي: لقد تركناهم هناك وحدهم، ثم حكمنا عليهم بالاستسلام. تكتب الكاتبة السورية مها حسن: «أعتقد أن ملتقى الرواية في رام الله سيكون خطوة مهمة لفتح الأبواب بين فلسطينيي الداخل والعالم العربي». وتضيف: «فلسطين بالنسبة لي الآن هي سوريا التي ضاعت مني. من يصدق أن هذا البلد المصاب بتاريخ من الوجع يعالج وجعي السوري ويرمم ثقوب الفقدان». في كلمته الافتتاحية للمؤتمر، يقول وزير الثقافة الفلسطيني الشاعر إيهاب بسيسو: إن المؤتمر يأتي ليطلق صورة فلسطين القادرة على الحياة.. وهو موجه لخلق التواصل بين مبدعي فلسطين والروائيين العرب لتظل فلسطين على انسجام مع محيطها العربي. يطلق الملتقى اسم الكاتب الفلسطيني نبيل خوري على دورته الأولى، لأنه كان أول من سجل احتلال القدس الشرقية عام 67 من خلال روايته «حارة النصارى»، ومن مثل الأدب يروي الأحداث ويوثق إحساس الفرد في حينه ويسجل كل الدموع التي انهمرت، والدموع إذ تنهمر على أرض تظل أجيال تحمل عبق تلك الأرض. الثقافة تنقذ التاريخ والأوطان، هويتك الثقافية لا يمكن أن تحتلها الدبابة المدججة ولا أن تعتقلها السجون ولا أن تطلق عليها فوهات البنادق رصاصاتها، يمكن للقوة أن تأخذ الأرض وتطرد الشعب وتسرق البيت لكن لا يمكن لها أن تسرق ثقافتك طالما ظللت قابضاً عليها ولو في الشتات والمنافي وخلف أسوار الاعتقال. تكتب منى الشيمي: «يبدو الإسرائيلي ثابتاً، يقف على المعابر بثقة، يتطلع يميناً ويساراً بتعالٍ، يحتسي من كوبه كأنه صاحب الأرض، لكنني رأيت خوفه في عمق عينيه، ثباته الانفعالي هشّ ومصطنع». وعندما نكتب، فنحن نقف أمام التاريخ لنشهد.