كلما ابتعدت عن الأشياء من حولك كلما صفا ذهنك، وشعرت بالسعادة. تراكم الأشياء، وتزاحم الظروف، يجعلاك غارقاً في مياه ضحلة، وخانقة، ودخولك في حومة المزعجات من الأشياء، تحول حياتك إلى حالة من الاستنفار، والطوارئ التي لا نهاية لخيوطها العنكبوتية.
تحرر من ظروفك، وتخلص منها كما يتخلص المرء من معطف صوفي في فصل الصيف. انعتق من أغلال الظروف، كما يفعل طائر حب في قفص، فاستغل فرصة غياب أسره، وتسلل عبر الأسلاك، وحلق في فضائه حراً بالقيود.
حاول أن تكون بلا بفضول، ولا آذان مفتوحة مثل مراوح عملاقة في حجر القاصب الكبيرة، حاول أن تبني لك عالماً بلا آذان، ولا أسماع، سوف تشعر بالفارق عندما يكون الإنسان في هذا العالم، فإنه يصبح ملك نفسه، لأنه ليس منشغلاً بما يقوم به الآخرون من أفعال، يكون في عالم بلا ضجيج، يكون في غرفة واسعة مؤثثة بالسكينة، والهدوء، وبالتالي لن تتلوث بآثار أقدام فوضوية تشيع الغبار، وبقايا أشياء تالفة. كن خارج الظروف المزعجة، تكون قد أنجزت مشروعك الإنساني في هذا الوجود الذي يحتاج إلى بشر لا ينهمكون في الأزيز الذي يحيط بحياتهم، ولا يغوصون في المحيطات، كي ينتزعوا قوقعة نافقة من الأعماق السحيقة، فقد لمجرد الشعور بالظفر بشيء ما، حتى ولو كان تافهاً لا قيمة له.
كن خارج ما يسقمك، تستطيع أن تعبر الوجود بسلام، وتستطيع أن تقرأ صفحاته بوضوح، وتمتلك ناصية الفرح، وتذهب إلى الآخر وأنت في روعة نشاطك، وصفائك وأحلامك، وطموحاتك، من دون أن يعرقلك ظرف متوحش، ولا فرد متفشي في حياتك.
عدم اندماجك في الظروف يجعلك مثل نجمة تطوق السماء بالضوء، مثل غيمة قماشتها من لون الفراشات، وعبق الورود. عدم اندماجك في الظروف، يخرجك من غثيان الرحى الهائمة في الدوران، ويجعلك مثل نخالة القمح، مثل حثالة القهوة المرة.
عدم اندماجك في الظروف، يجعلك صاحياً مثل بوذي أسطوري، يرفع النشيد للإله، ويغني للوجود بسرور.
عدم انشغالك بالظروف، يمدك بمصير سمته الإرادة، وجبلته أحلام تنحت صورتها على لوحة القلب، كما هي الأيقونة التاريخية، كما هي الأوديسا، كما هي الإلياذة في الضمير اليوناني.