من فكر الإنسان المبدع ظهرت الأفكار الخلاقة، فاهتدى لاكتشاف العجلة التي رُصفت لها الطرق، وهكذا بدأت الحضارات في تبادلٍ للمعرفة والحوار مع بعضها بعضاً. واستمرت مسيرة الإنسان في سعيه لإزالة الحواجز، واختراع كل ماهو جاذب، وذي قيمة للإنسانية والبشرية وسلسلة الحياة. هذه هي القيمة التي اكتسبتها من فهمي لحوار الحضارات والتسامح والسعادة الإنسانية. وعندما جلست في أحد المجالس، بانتظار دخول أصحاب البيت، سار نظري في سلسلة كاملة من موسوعاتٍ وأمهات الكتب: الأغاني، تاج العروس، مجموعة ابن القيم الجوزية، ابن تيمية، لسان العرب، وعقود الجمان للسيوطي، وصنوف أخرى في شتى أنواع المعرفة. فعاتبت نفسي، إذ لم أضع مجموعة كتبي في متناول الزائرين لتقرب المسافات للمعرفة. وعزمت أن أتفرغ لتصنيف كتبي، ووضعها في مجلس بيتنا، وتبنيت الفكرة لتكون ضمن أهدافي في عام الخير. وبعد أن شربت الشاي والقهوة والعصير، قلت أتسلى بهاتفي «الذكي»، الذي أطلق صافرة خلوه من الشحن، ورحل عن عالمنا، حينها (نقزت) «البشكارة» قائلة: «مدام يريد شحن، هناك موجود شنطة فيه 21 شاحنا... سوي شحن بسرعة 100% في خمس دقيقة... تريدي تشوف وإلا أجيب واحد؟». فإذا هي حقيبة مملوءة بأجهزة للشحن السريع، أحضرت لي واحداً منها، وقالت: «انتي خلي خمسة دقيقة بس مدام». في لحظات الانتظار، في بيت قريبي البعيد، جال في خاطري مصطلح «هيس»، فسارعت يدي إلى تلك المكتبة المفتوحة والمتاحة للزائرين، فحاولت تناول أحد أجزاء «لسان العرب» فإذا به ملتصقاً بالأجزاء التي تجاوره، فقلت في خاطري: ربما قل تناول هذا الجزء فالتحم بما حوله، كما للحرارة دور في ذلك. وباءت محاولاتي مع غيره بالفشل، إذ ما بدا لي كأنه موسوعات، كان مجرد خدعة بصرية، فهو رفٌ خشبي، نُقِشت عليه أسماء هذه الكتب القيمة. جاء سيد المنزل، وبعد المجاملات، اعترفت له: «اسمح لي تطاولت على مكتبتك... ما شاء الله غنية!، فقال بكل تجاهل: (يا بنت الحلال مجرد ديكور، وإلا الحين منو يقرأ؟) فهجمت عليه قائلة: وما شاء الله الواحد في بيتكم ما ينفذ شحن بطارية هاتفه؟». فقال بثقة: «الحمد لله عندنا (قروب) العائلة يوم ما ترد عليهم بسرعة يقلقون... تعرفين علاقتي بصلة الرحم!». للعارفين أقول، نخدع من، عندما لا نؤمن بالعلم أو صلة القربى التي تتطلب لقاء العيون والجسد. ولو كانت أمي - رحمة الله عليها- موجودة لقالت له: «رمست عنك الياعدة!».