في الطريق إلى بناء عالم جديد، يغفو على سطح ماء بارد، ويجدل ضفائر حقيقته من دون وجل ولا كلل، ويرتب أثاث منزله الداخلي، ويلطف أجواء غرفه، ثم يجلس على أريكته المخملية، ويسكب فنجان القهوة، ويأخذ من رشفاتها بأناة وتؤدة، ثم ينظر إلى الشجرة التي تسمق في الخارج، مطلة على نافذته، كأنها تتأمل شيئاً ما تراه في أجمل حلله، ويتأمل هذا الإنسان ما يجري في وجدان الشجرة ثم يستقطبه، ويستلهم منه الوداعة والطمأنينة، وبعد مضي فترة وجيزة، ينهض ويرتدي أجمل ما لديه من ملابس، ويعتني بتناسق الألوان في مجمل ما اختاره من أقمشة جادت بها الأسواق التجارية، ثم يغادر المنزل وقد نسي شيئاً مهماً في البيت ولم يخطر له على بال إلا عندما وصل إلى المقهى، وجلس في صحبة أصدقاء الحياة.
فكر هذا الإنسان، هل يعود إلى البيت ليصلح ذات البين مع الزوجة، التي قطع معها الحوار حول قضية مهمة، ولم يدعها تكمل حديثها، عندما قال لها: (أنا لست مستعداً لسماع المزيد من الثرثرة، ثم صفق الباب خلفه بشدة واختفى عن أنظار الزوجة، التي لبثت في مكانها تستذكر الأيام الخوالي الجميلة، والتي أصبحت مجرد حثالة قهوة، يمجها الزوج ثم يتأفف). فكر ملياً واستدعى كل حيثيات الحوار، ولم يجد ما يبرر جفوله من الزوجة، وفراره من المنزل، كأرنب جبان، مذعوراً من مواجهة الواقع.
تفصد العرق من جبينه، ونشف ريقه، وارتجفت أصابعه، واستقر به الأمر على أن يستأذن الأصدقاء ويغادر المقهى في أقصى سرعة، ليعود إلى البيت ويصلح ذات البيت، ولكنه يفاجأ بما لم يقع في حسبانه، أن الزوجة هي الأخرى قطعت حبل الوصل بـ(مسج) حاد، مفاده بأنها غادرت المنزل ولن تعود إليه البتة، إلا برد اعتبار محترم يعيد لها كرامتها المهدورة.
عندما شعر الرجل بفداحة تصرفه، وسوء معاملته مع الزوجة، ولكن بعد فوات الأوان، وبعد أن صارت العلاقة أنا وأنت، وفهم الرجل حينها أن العلاقة الزوجية عندما ينقطع فيها حبل الود، يصبح الحوار مثل الخوار، ليس له معنى سوى الضجيج الذي يصم الأذنين، وينهك الخافقين، ويسد الطريق إلى البيان والتبيين، ولا جدوى من إعادة المياه إلى مجاريها، إلا باتخاذ القرار الشجاع والاعتراف بالخطأ، وفتح نافذة جديدة لحوار بنّاء، يبني أسرة منطقها الحب، ومهد لياليها أحلام زاهية، لا تنغصها أضغاث الأحلام، ولا تكدرها خلافات تافهة، لا تستحق دمعة واحدة من عيني امرأة لا تطلب من الرجل غير احترام رأيها وتقدير مكانتها.