الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

مونديال 2022.. «كأس العالم للظلم وعدم المساواة»

مونديال 2022.. «كأس العالم للظلم وعدم المساواة»
22 نوفمبر 2018 02:21

دينا محمود (لندن)

«يحصل عمال من بعض دول العالم الأكثر فقراً على أجور بائسة لتحقيق حلم كرة القدم للدولة الأكثر ثراء في العالم، بحسب نصيب كل مواطن فيها من الدخل القومي».. بهذه العبارة الصادمة استهلت صحيفة «الجارديان» البريطانية تحقيقاً مطولاً استعرضت فيه الأوضاع المزرية التي يعانيها العمال المهاجرون الذين يشاركون في تهيئة البنية التحتية اللازمة لكي تستضيف قطر مونديال 2022، ويكدون لتشييد المرافق الضرورية لإقامة منافسات البطولة التي حصل «نظام الحمدين» على حق استضافتها في ظروف مشبوهة.
واختارت الصحيفة لتحقيقها المعزز بالصور عنواناً يقول «قطر 2022: 40 جنيهاً إسترلينياً في الأسبوع لبناء ملاعب كأس العالم»، في انتقاد لاذعٍ لهذا الأجر الذي يقل عن 52 دولاراً أميركياً أسبوعياً للمهاجر الذي يقوده حظه العاثر للعمل في الدوحة، واصفةً البطولة المقررة بعد أربع سنواتٍ لا أكثر بأنها «كأس العالم للظلم وعدم المساواة، في ضوء أن الدولة التي تستضيفها من أغنى دول الأرض، وأن من يعكفون على تشييد المرافق الخاصة بها جاءوا من أفقر هذه الدول».
وشمل التحقيق، الذي أعده الصحفي البريطاني دافيد كون، لقاءات أجريت مع عدد كبير من هؤلاء العمال المنكوبين. بعضهم كانوا خلال استراحة الغداء، أثناء انهماكهم في تشييد ملعب الريان الذي يفترض أن تبلغ سعته 40 ألف متفرج. وقال عددٌ منهم إنهم جاءوا بالمئات من غانا، التي يتم فيها، حسبما أشاروا، بث إعلانات عن وجود فرص للعمل في قطاع التشييد في قطر عبر محطات الإذاعة. وكشف هؤلاء عن أنهم دفعوا رسوم توظيف لوكلاء ووسطاء، الأمر الذي أكدت «الجارديان» أنه محظور قانوناً، ولكنه مستشرٍ لجلب عمالة وافدة إلى قطر. وأفصح أحد العمال القادمين من غانا أن الوسيط الذي تعامل معه أغراه لقبول العمل بالقول: «سوف تحصل على راتب هائل» في قطر، ولكنه اكتشف عندما وطئت قدماه أراضي ذلك البلد أن «الوضع على العكس من ذلك تماماً».
وقارنت «الجارديان» بين الأجور المتدنية التي يتقاضاها العمال المهاجرون والأموال الطائلة التي تغدقها السلطات القطرية على أعمال بناء ملاعب المونديال، قائلةً إن تكاليف تشييد ملعب «الريان» وتجديد ملعب «خليفة» الدولي تتراوح ما بين 8 إلى 10 مليارات دولار باعتراف اللجنة المنظمة للبطولة، فيما لا يحصل من يشاركون في العمل المضني الجاري في الموقعين سوى على الفتات. وقالت إنه في الوقت الذي كان فيه مراسلها يجول بصحبة مسؤولين من اللجنة المنظمة لكأس العالم في أنحاء مختلفة من ملعب «الريان» الذي يبدو مبهراً، رأى 10 من العمال القادمين من الهند وبنجلاديش ونيبال، وهم يكدحون تحت الشمس المحرقة لإتمام العمل في مدرجات الملعب، قبل حلول موعد انطلاق المونديال في 21 نوفمبر 2022.
وأشارت إلى أن ما تعهدت به اللجنة المنظمة لهذه البطولة مؤخراً من تحسينٍ لأوضاع العمالة الوافدة، لم يأتِ سوى بعد تعرضها لانتقادات حادة وواسعة النطاق من جانب المنظمات الحقوقية الدولية. وقالت إنه على الرغم من محاولات المنظمين الادعاء بأنه تم تحسين هذه الأوضاع بالفعل بل والزعم أن هناك خدمات تقدم للعمالة الوافدة في مخيماتها «تشبه ما يحدث في الفنادق»، فإن مراسلها زار معسكراً يقطن فيه 4500 عامل، ويسكن كل أربعة منهم في غرفة واحدة.
وفي ظل هذه الأوضاع المعيشية التعيسة، لم يكن مفاجئاً أن يسرد العمال للصحفي البريطاني الكثير عما يكابدونه في «إمارة السخرة»، عندما تسنى له أخيراً أن يجلس مع عددٍ منهم للاستماع إلى معاناتهم. وفي هذا المعسكر، تحدث كون مع أربعة عمال تتراوح أعمارهم بين 28 و38 عاماً، قال إنهم كلهم متزوجون ولديهم أطفال. وقد روى له أحدهم أنه لا يجد في بعض الأحيان أموالاً ليرسلها إلى أسرته في حالات الطوارئ، قائلاً «يفترض أن نتقاضى أجراً كبيراً، ولكننا لا نكسب سوى قدر محدود من المال، لا يتعدى -كما أكد أحد العمال الآخرين ساخطاً- 650 ريالاً قطرياً في الشهر، وذلك للعمل ستة أيام في الأسبوع لثماني ساعات على الأقل يومياً، من أجل تشييد ملعب رياضي فخم يحاول مسؤولو النظام إبهار العالم به للفت الأنظار عن سجلهم الأسود في تمويل الإرهاب. بينما شكا عامل غاني آخر لـ(الجارديان) أنه لا يملك المال اللازم لإطعام أسرته، وقال: المال (في قطر) ليس كما توقعنا. نحن نفكر في ذلك طيلة الوقت».
وفي مؤشرٍ على أجواء الترويع التي تشيعها السلطات القطرية بين العمالة المهاجرة لمنع أفرادها من تقديم شكاوى رسمية توثق ما يتعرضون له من انتهاكات، وكذلك على عدم وجود آليات لإنصاف أولئك الأشخاص، أكد أحد العمال الأربعة للصحيفة، أنه لا يعتقد أن رفع هذه المظالم وتقديمها سيغير شيئاً، قائلاً: «لا نحصل على مساعدة من أي شخص، يتعين علينا دعم وتشجيع أنفسنا يومياً. وإلا ماذا ستفعل: هل تقتل نفسك؟».
وشددت «الجارديان» على أنه بالرغم مما أعلنته الحكومة القطرية قبل شهرين من أنها ألغت إلزام العمال الأجانب بضرورة الحصول على تصريح لمغادرة البلاد من أرباب عملهم، فإن هذا التعديل لم يشمل العمالة المنزلية. وأشارت كذلك إلى أن إعلان الدوحة عن استحداث حد أدنى للرواتب لا ينفي أن ما اتفق عليه في هذا الشأن حتى الآن، لا يتعدى 750 ريالاً قطرياً كل شهر، وهو ما لا يتجاوز 206 دولارات. وأوضحت أن اللجنة المنظمة للمونديال أقرت بنفسها بأن عدداً من العمال الأجانب ظلوا يتقاضون راتباً يقل عن ذلك الحد الأدنى الهزيل من الأصل.
وبلهجةٍ ساخرة مفعمة بالمرارة، قالت الصحيفة في تحقيقها المطول، إن المسؤولين القطريين الذين تحدثت إليهم كانوا يجدون صعوبة في رؤية الإجحاف الذي ينطوي عليه إعطاء العمال الوافدين مثل هذه الرواتب المتدنية. ونقلت عنهم زعمهم بكل صلف أن هذه الأجور تفوق ما كان سيحصل عليه أولئك العمال في بلدانهم الأصلية. وأشارت إلى أن النظام القطري يبدو في الآونة الحالية حريصاً على عرض ما يزعم أنها خطوات قطعها على طريق تحسين أوضاع معيشة العمال؛ ولذا أتاح لمراسلها الدخول إلى معسكري إقامة زعمت الدوحة أنهما يستوفيان الشروط المطلوبة في هذا الصدد.
وقال الصحفي البريطاني، إنه بالرغم مما ادعاه ممثلو اللجنة المنظمة بشأن التحسينات المزعومة في هذين المعسكرين، فإن المكان كان قاتماً على نحو مؤلم. وروى كيف استمع إلى إفادة وردية للغاية من عامل هندي التقاه في أحد المعسكرين، وكيف تليت على مسامعه شهادات مختلفةٌ للغاية من جانب حشدٍ من العمال النيباليين الذين التقاهم في منطقة ما قرب وسط الدوحة، بعد أن قال لهم المترجم المرافق، إن هذا المراسل يعمل في صحيفة سبق أن هاجمت بشدة نظام تأشيرة الخروج ومارست ضغوطاً أجبرت «نظام الحمدين» على التخلي جزئياً عنه.
وقال الصحفي في هذا الشأن، إن هذه المعلومة أدت إلى أن يحتشد حوله في غضون دقائق جمع غفير من العمال، وكلهم يتسابقون بالشكوى من أوضاعهم اليائسة والبائسة. ونقل عن أحدهم قوله: «الناس هنا لا يعملون.. أو يعملون ولا يتقاضون أجوراً.. أو أجوراً متدنية للغاية». وأشار إلى أن كل هؤلاء العمال دفعوا مبالغ كبيرة من المال للوسطاء الذين جلبوهم للعمل في قطر، وأن بعضهم اكتشف بعدما أتى إلى الدوحة أن بعض هؤلاء السماسرة والوكلاء قد باعوه الوهم، وأن لا فرص عمل موجودة له من الأساس.
ولكن أحدهم ممن حصلوا على عمل لم يبد أفضل حالاً، إذ قال إن الشركة التي يعمل لحسابها لا تدفع له راتباً من الأصل. وقال آخر من بنجلاديش، إنه في محنة لأنه عاجز عن إرسال أموال لزوجته وابنته التي لا يتجاوز عمرها 10 سنوات، إلى حد أنه لم يستطع دفع الرسوم اللازمة لإبقاء الطفلة في المدرسة. وأشار إلى أن زوجته تلومه بقسوة لأنه ذهب إلى قطر، وتقول له إن سائقي الريكشا (عربة هندية تقليدية) في قريته يكسبون أموالاً لإعالة أسرهم، بينما لا يستطيع هو ذلك. وصرخ عامل ثالث لا يزيد عمره على 26 عاماً في وجه مراسل «الجارديان» قائلاً «إنه ليس لديه نقودٌ حتى لتناول الطعام»، وشكا أنه لا يستطيع توفير أموال لكي يتناول أصنافاً مثل الأرز أو الخضراوات أو الدجاج. وعندما سئل عن متى كانت آخر مرة تناول فيها طعاماً لائقاً، كانت إجابته الصادمة هي 8 شهور.
وخلص الصحفي البريطاني في نهاية التحقيق بالقول إنه وعد هؤلاء العمال البؤساء بنقل معاناتهم ونشرها، كما قال لهم إن الحكومة القطرية واللجنة المُنظمة للمونديال ستطالعان ما سيكتبه عنهم. ولكنه بدا غير واثقٍ من ذلك، بعدما قال في ختام سطوره، إنه في غضون دقائق من إنهائه الحديث مع العمال المهاجرين التعساء، نقلته سيارة يبدو أنها تابعة للسلطات القطرية إلى منطقة أخرى في الدوحة، تغص بالأبراج والفنادق والمطاعم الفاخرة، وكذلك اللافتات التي تزعم أن كأس العالم المقبل سيكون مذهلاً، وذلك بعيداً كل البعد عن كل صور المعاناة والإذلال التي تقاسيها العمالة الوافدة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©