المكاك قرد يعيش حياة اجتماعية معقدة، وكلما اكتشف الباحثون والعلماء سلوكاً جديداً بين أفراده، ازدادت درجة الغموض في فهم حياته الاجتماعية، خصوصاً أن هذا النوع من القردة يتميز بنظام اجتماعي فيه طبقات عليا وأخرى دنيا لا تزال الخطوط بينها مبهمة، حسب ما توضحه السلوكيات التي يتعامل فيها الأفراد في المجموعة فيما بينهم، فعلى سبيل المثال: إذا تجرأ قرد مكّاك من طبقةٍ أدنى في السلسلة الاجتماعية، على أكل ثمار نبتة مفضلة دون أن يترك شيئاً لمكّاك من الطبقة الأعلى، لن يتردد الأخير بانتزاع الثمار من فم القرد المنتمي للطبقة الأدنى اعتراضاً على فعلته! ليس هذا محل اهتمامي في زاويتي اليوم، فلدى هذا الحيوان سلوك آخر أشد غرابة يدلل أن لديه طباعاً ممنهجة وقيماً يلتزم بها. يصدف أحياناً أن يحدث تداخل في مناطق نفوذ المكاك، فتندلع اشتباكات صاخبة بين قردين، وعلى أثر ذلك تهب إلى المكان قردة أخرى - لم تكن شاهدة على العراك - ما أنْ تسمع أصوات الصياح الناتج، فتأخذ في التصفيق والقفز بحماس مجنون تضامناً مع القرد الذي يبدو في الطليعة! إذاً لهذه القردة ميل طبيعي للاحتفاء بالقوى. هي ليست معنية بالظالم والمظلوم، كما أنها لا ولن تبالي بمن الذي يملك الحق ومن الذي على باطل. تنجرف قردة المكاك طبيعياً للقوي، وهذا يدل أن هذا السلوك الحيواني.. هو سلوك «حيواني» صرف لا يناسب مخلوقات أخرى مدهم الله بالعقل والتدبر ومنحهم التفكير المنطقي والتروي. في الحياة حيث يعيش البشر، هناك أشكال أخرى من القوة، ليست بالضرورة البدنية، هناك قوة الشهرة وقوة المال وقوة العائلة وقوة المنصب، والقوة في عدد المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي آخر صيحات القوة، ولن تغلب عزيزي القارئ في رصد أشكال لا حد لها من صنوف التمييز الاجتماعي الهش التي لا منطق علمي ولا إنساني لها، ورغم ذلك نشاهد البشر كل يوم ينجرفون حولها ويتحزبون لأجلها، لأنها أقوى ولأنها في الطليعة. هذا الشكل الهلامي من أشكال الزعامة غير المستحقة، أصبح هو الأعم والأكثر انتشاراً بين الناس. الميل الإنساني ناحية البعض دون الآخر حق طبيعي له أسبابه، ولكن لأنه حق إنساني، فيجب أن يكون فعلاً «إنسانياً» يستند إلى منطق وحقيقة، لا إلى مظهرة «حيوانية» كأفعال «المكاك».